و آداب المحدث وهو من النوع الأربعون اختلفوا فى أفضل العلوم ، فقال المتكلمون : علم الكلام ، إذ به يدرك التوحيد ومايتعلق به ، وقال الفقهاء : علم الفقه ، لأن به تعرف العبادات والحلال والحرام و غيرها من الأحكام . و قال المفسرون : علم القرآن ، به يتوصل إلى العلوم كلها (وَ) قال المحدثون (أَشْرَفُ الْعُلُومِ) على الإطلاق (عِلْـمُ الأَثْـرِ) أى الحديث ، وكيف لا وهو الوصلة إلى رسـول الله صلى الله تعالى عليه و سلـم . |
قَلْبًا مِنَ الدُّنْيَا وَزِدْ حِرْصًا عَلَى | | نَشْرِ الْحَدِيثِ ثُمَّ مَنْ يُحْتَجْ إِلَى | |
مَا عِنْدَهُ حَدَّثَ: شَيْخًا أَوْ حَدَثْ | | وَرَدَّ لِلأَرْجَحِ نَاصِحًا وَحَـثّ | |
و الباحث عن تصحيح أقواله وأفعاله ، ولأن سائر العلوم الشرعية محتاجة إليه ، أما الفقه فواضح ، وأما التفسير فلأن الحديث أولى ما فسر به القرآن ، وبقى هناك أقوال لا حاجة بنا إلى الإطالة بذكرها ولقد أنصف من قال : ولست ترى صاحب علم أىّ علم كان إلا وهو يرى أن لا فوق ما يعلم . وبالجملة فعلم الحديث إن لم يكن أشرفها فلا شك أنه من أشرفها (فَصَحِّـحِ) أيها المحدث (النِّيَّـةَ) فيه وأخلصها ، لإإنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرى مانوى (ثُـمَّ طَهِّـرِ قَلْبًا مِنَ) أعراض (الدُّنْيَا) وأدناسها ، فلا تحدث إلا لوجه الله وطلب التقرب إليه ، ولا تطلب أجرا إلا منه سبحاانه وتعالى كما قال عز وجل (( ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجرى إلا على الله )) فمن حق المحدث وغيره من المعلمين مع طلبته أن يقتدى بالنبى صلى الله تعالى عليه و سلـم فيما علمه الله تعالى فى هذه الآية ، فلا يطمع فى فائدة من جهة من يفيده علما ثوابا لما يحدثه ويعلمه ، وأدنى درجات العالم كما قاله العلماء الراسخون أن يدرك حقارة الدنيا (1) وخستها وانصرامها و عظم الآخرة و دوامها وجلالة ملكها (وَزِدْ) أيها المحدث (حِرْصًا) أى شدة الاهتمام (عَلَى نَشْرِ الْحَدِيثِ) والتبليغ عن النبى صلى الله تعالى عليه و سلـم ، ففى الصحيح (( بلغوا عنى ، ليبلغ الشاهد الغائب )) . وروى البيهقى عن أبى ذر (( أمرنا رسول الله صلى الله تعالى عليه و سلـم أن لا نغلب على أن نأمر بالمعروف ونـنهى عن المنكر ، ونعلم الناس السنن )) . ومن ثم كان فى السلف الصالح من يتألف الناس على حديثه : كعروة بن الزبير رضى الله تعالى عنه (ثُمَّ) اختلف فى السن الذى يحسن أن يتصدى للتحديث فيه ، فقيل خمسون ، لأنـها انتهاء الكهولة ومجتمع الأشد ، ولا ينكر فى الأربعين لأنـها حد الاستواء و منتهى الكمال ، ورده جماعة من المحققين بأن طائفة من السلف حدثوا قبل هذا السن : كعمر بن عبد العزيز و سعيد بن جبير وابراهيم النخعى ومالك و بندار والشافعى والبخارى فى طائفة كثيرة ، فـ(مَنْ يُحْتَجْ إِلَى مَا عِنْدَهُ) من الأحاديث (حَدَّثَ) أى تصدى . (1) قوله : أن يدرك حقارة الدنيا ، زاد بعضهم : وأن يعلم أن الدنيا والآخرة متضادتان وأنهما ضرتان متى رضيـت إحداهـما سخطت الأخرى ، وكفتا ميزان إذا رجحت إحداهما خفت الأخرى ، وكالشرق والغرب متى قربت إحداهـما بعدت الأخرى ، وكقدحين أحدهما ملىء بقدر ما تصبب منه فى الآخر يفرغ من الأول ، من لا يعلم حقارتـها وكدرتـها ، وامتزاج لذاتها بالهموم فخو فاسد العقل فإن المشاهدة والتجربة ترشد العقلاء إلى ذلك فكيف يكون فى العلماء من لا عقل له ، ومن لا يعلم عظم الآخرة ودوامها فهو كافر لا إيـمان له فبكيف يكون من العلماء من لا إيـمان له ، ومن لا يعلم أنهما ضرتان ، والجمع بينهما بعيد فهو جاهل ، زمن علم هذا كله ، وآثر الدنيا على الآخرة ، فهو أسير الشيطان ، وقد أهلكته شهوته ، وغلبت عليه شقوته فكيف بعد من العلماء من هذه درجته ، وحق الحق إني لأعجب من عالم يجعل علمه سبيلا إلى حطام الدنيا ، وخو يرى كثيرا من الجهال وصلوا من الجنيا إلى ما ينتهى هو إليه فإذا كانت الدنيا تنال مع الجهل فما لنا نشتريها بأنفس الأشياء ، وهو العلم ، انتـهى كتبـه الشارح عفا الله عنه آمـين . . |
وابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: لا تُرْشِدْ إِلَى | | أَعْلَى فِي الاِسْنَادِ إِذَامَا جُهِلا(1 | |
وَمَنْ يُحَدِّثْ وَهُنَـاكَ أَوْلَـى | | فَلَيْسَ كُرْهًا أَوْ خِلافَ الأَوْلَى | |
هَذَا هُوَ الأَرْجَحُ وَالصَّـوَابُ | | عَهْدَ النَّبِيِّ حَـدَّثَ الصِّحَـابُ | |
وَفِي الصِّحَابِ حَدَّثَ الأَتْبْـاعُ | | يَكَادُ فِيهِ أَنْ يُـرَى الإِجْمَـاعُ | |
للتحديث فى أىّ سن كان كما قال (شَيْخًا) أى سواء كان شيخا بأن بلغ عمره أربعين سنة كما هو معنى الشيخ لغة (أَوْ حَدَثْ) بالوقف على لغة ربيعة أى شابا ، فقد جلس مالك للناس وهو ابن سبع عشرة ، والعلماء حينئذ متوافرون و شيوخه أحياء ، وكذلك الشافعى وغيره ، وحدّث البخارى وما فى وجه فى شعرة . نعم حمل ابن الصلاح القول الأول على من يؤخذ عنه الحديث لمجرد الإسناد من غير براعة فى العلم ، فانه يؤخذ عنه قبل ذلك السن (وَ) ينبغى للمحدث إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره فى بلده أو غيره بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر إن (رَدَّ) أى يعلم الملتمس منه به ويرشده (لِلأَرْجَحِ) بما ذكر حال كونه (نَاصِحًا) للطالب (وَحَـثّ) بالوقف على لغة ربيعة فإن الدين النصيحة ، فلا يدع منها شيئا . (وَ) قال تقى الدين أبو الفتح محمد (ابْنُ) على بن (دَقِيقِ الْعِيدِ) القشيرى القوصى ينبغى أن يكون ذلك عند الاستواء فيما عدا الصفة المرجحة ، وإلا فـ(لا تُرْشِدْ) أيها المحدث (إِلَى) من كان (أَعْلَى فِي الاِسْنَادِ) فقط (إِذَامَا) زائدة (جَهِلا) أى بأن يكون الأعلى فِي الاسناد عاميا والأنزل عارف ضابط ، قال فقد يتوقف فى الإرشاد إليه ، لأنه قد يكون فى الرواية عنه ما يوجب خللا (وَمَنْ يُحَدِّثْ) أى ومن يتصد للتحديث (وَهُنَـاكَ) من هو (أَوْلَـى) منه لسنه أو علمه أو علو سنده أو غير ذلك (فَلَيْسَ) تحديثه حينئذ (كُرْهًا) أى مكروها (أَوْ) أى بل ولا (خِلافَ الأَوْلَى هَذَا هُوَ) القول (الأَرْجَحُ) عند المققين . وقال ابن الصلاح : لا ينبغى للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك ، وكان إبراهيم والشعبى إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشىء ، وزاد بعضهم فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه لسنه أو لغير ذلك ، روينا عن يحيى بن معين قال : إذا حدثت فى باد فيه مثل أبى مسهر فيجب للحبتى أن تحلق . وعنه أيضا : أن الذى يحدث بالبلدة وفيها من هو أولى بالتحديث منه فهو أحمق . قال المصنف (وَالصَّـوَابُ) إطلاق التحديث بحضرة الأول ليس بمكروه ولا خلاف الأولى ، فقد استنبط العلماء من حديث (( إن ابنى كان عسيفا )) الحديث . وقوله : سألت أهل العلم فأخبرنى أنه (عَهْدَ النَّبِيِّ) أى فى زمنه صلى الله تعالى عليه و سلـم ، وفى بلده (حَـدَّثَ) وأفتى (الصِّحَـابُ) رضى الله تعالى عنهم ، وقد عقد محمد ابن سعد فى الطبقات بابا لذلك وأخرج بأسانيد فيها الواقدى أن منهم من الخلفاء الأربعة وعبد الرحمن ابن عوف وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت رضى الله تعالى عنهم (وَفِي) عهد (الصِّحَابِ حَدَّثَ الأَتْبْـاعُ) روى البيهقى فى المدخل بسند صحيح عن ابن عباس رضى الله تعالى .. (1 قوله وابن كذا فى النسخة بالواو استئـنافا . و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى بلا واو . قوله جهلا كذا فى النسخة بضم الجيم مبنى للمفعول و الصواب بفتحها بناء للفاعل كما فى نسخة أحمد شاكر |
وَهْوَ عَلَى الْعَيْنِ إِذَا مَا انْفَرَدَا | | فَـرْضُ كِفَايَـةٍ إِذَا تَعَـدَّدَا | |
وَمَنْ عَلَى الْحَدِيثِ تَخْلِيطًا يَخَفْ | | لِهَرَمٍ أَوْ لِعَمًى وَالضَّعْفِ: كَفّ | |
وَمَنْ أَتَى حَدَّثْ(1وَلَوْلَمْ تَنْصَلِحْ | | نِيَّتُـهُ ، فَإِنَّهَا سَـوْفَ تَصِـحّ | |
فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ كِبَـارٍ جِلَّـهْ: | | "أَبَى عَلَيْنَـا الْعِلْـمُ إِلاَّ لِلَّـه" | |
عنهما أنه قال لسعيد ين جبير حدّث : قال : أحدث وأنت شاهد ؟ قال : أليس من نعم الله عليك أن تحدث وأنا شاهد فإن أخطأت علمتك ، وهكذا ألى هلم جرا (يَكَادُ فِيهِ) أى فى التحديث بحضرة من هو أولى (أَنْ يُـرَى الإِجْمَـاعُ) على فعله ، ويحل مثل هؤلاء الصحابة والتابعين أن يفعلوا ما هو خلاف الأولى فضلا عن المكروه . (وَهْوَ) أى التحديث فرض (عَلَى الْعَيْنِ إِذَا مَا) زائدة (انْفَرَدَا) فى بلد بأن لا يكون فيه أهل له سواه وقد سئل عنه . قال صلى الله تعالى عليه و سلـم (( من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار )) رواه أبو داود وغيره . قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين . وفى رواية زيادة (( مما ينفع الله به فى أمر الناس فى الدين )) و روى ابن ماجه فى سند منقطع (( إذا لعن آخر هذه الأمة أولها فمن كتم حديثا فقد كتم ما أنزل الله )) والطبرانى باسناد فيه ابن لهيعة (( مثل الذى يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذى يكنز الكنز ثم لا ينفق منه )) وهو (فَـرْضُ كِفَايَـةٍ)) يسقط الحرج بفعل البعض الكافى كما هو شأن فروض الكفاية (إِذَا تَعَـدَّدَا) المتأهل لذلك . قال فى التدريب : ولو طلب من أحدهم فامتنع لم يأثم (وَ) اما السن الذى ينبغى الإمساك عن التحديث فيه فغير محدود ، فـ(مَنْ عَلَى الْحَدِيثِ تَخْلِيطًا) وأن يرى ما ليس من غير حديثه (يَخَفْ لِهَرَمٍ أَوْ لِعَمًى وَالضَّعْفِ) أى الخوف (كَفّ) عن التحديث ويختلف ذلك باختلاف الناس ، وأما ضبط بعضهم له بثمانين فمحمول على أن من بلغها ضعف حاله فى الغالب وخيف عليه الاختلال والإخلال ، أو لا يفطن له إلا بعد أن يخلط كما اتفق لغير واحد من الثقات . قال فى التدريب : فإن يكن : أى ابن الثمانين ، وما فوقها ثابت العقل مجتمع الرأى فلا بأس ، فقد حدث بعدها أنس وسهل بن سعد وعبد الله بن أبى أوفى فى آخرين ، ومن التابعين شريح القاضى ومجاهد و الشعبى فى آخرين ، ومن أتباعهم : مالك و الليث وابن عيينة . و قال مالك : إنما يخرق الكذابون ، وحدث بعد المائة من الصحابة حكيم بن حزام ، ومن التابعين : شريك النمرى ، ومن بعدهم : الحسن بن عرفة وأبو القاسم البغوى والقاضى أبو الطيب الطبرى والسلفى وغيرهم رضى الله تعالى عنهم (وَ) لا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه ، بل كل (مَنْ أَتَا)ه لطلبه (حَدَّثَـ)ه (وَلَوْ) كان (لَمْ تَنْصَلِحْ نِيَّتُـهُ) فيه (فَإِنَّهَا) أى نية ذلك الطالب (سَـوْفَ تَصِـحّ) فيما بعد (فَقَدْ رَوَيْنَا) أيها العلماء (عَنْ) أئمة (كِبَـارٍ جِلَّـهْ) فخام : كمعمر وحبـيب بن أبى ثابت والغزالى فى آخرين بألفلظ متقاربة : "طلبنا العلم لغير الله فـ(أَبَى عَلَيْنَـا الْعِلْـمُ) أن يكون (إِلاَّ لِلَّـه") بالقصركما هى لغة ، ولفظ الأولين . طلبنا الحديث وما لنا فيه نية ، ثم رزق الله النية بعد . وعن معمر أيضا قال : إن الرجل ليطلب العلم لغير الله فيـأبى عليه حتى يكون لله (1 كذا فى النسخة للغيبة كما فعله الشارح و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى بكسر الدال المشددة للخـطاب أى أيها المـحدث . والمـعنى واحـد |
وَلِلْحَدِيثِ الْغُسْـلُ وَالتَّطَهُّـرُ | | وَالطِّيبُ وَالسِّـوَاكُ وَالتَّبَخُّـرُ | |
مُسَرِّحًا وَاجْلِسْ بِصَـدْرٍ بِأَدَبْ | | وَهَيْئَةٍ مُتَّكِئًـا عَلَـى رُتَـبْ | |
وَلا تَقُمْ لأَحَدٍ . وَمَـنْ رَفَـعْ | | صَوْتًا عَلَى الْحَدِيثِ فَازْبُرْهُ وَدَعْ | |
تعالى واشتهر عن الغزالى أنه وأخاه أحمد إنما دخل المدرسة ليتقـوّتا فيها ، فلما حصل له من العلوم ما خصل قال : طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم إلا أن يكون لله ، وقرر جماعة أن معنى هذه المقالة أن تعلمنا فى المبادى لم يكن يخلو من عدم الامحاض فى تحصيله ، وأبى إلا أن يجرنا إلى طريق السلوك والهداية إلى الله تعالى . وفى الاحياء نقلا عن بعض المحققين : أن معناها أن العلم أبى وامتـنع علينا فلم تنكشف لنا حقيقته ، وانما حصل لنا حديثه وألفاظه ، قال شارحه المرتضى : طالما كنت أسمع الشيوخ يعزون تلك المقالة إلى المصنف : أى الغزالى وأنه أبو عذرتـها ، وكنت أفهم من تقاريرهم ماتقدم ، والآن قد ظهر من سياقه أنـها لأحد من المتقدمين ليست له ، وإنما هو ناقل ، بل هو مقلد لصاحب القوت ، فانه هو الذى نقلها هكذا وفسرها يذلك ، وهو تأويل آخر لها غير ما كنا نسمعه من الشيوخ ونفهمه . و قال الثورى : ما كان فى الناس أفضل من طلاب الحديث فقيل : يطلبونه بغير نية ، فقال : طلبهم إياه نية . (وَ) يستحب (لِـ)قراءة (الْحَدِيثِ) النبوى كغيره من العلوم وللحديث آكد (الْغُسْـلُ) بتعميم البدن (وَالتَّطَهُّـرُ) الشامل للوضوء والتيمم بشرطه (وَالطِّيبُ) يعنى التزين باستعمال الطيب فى بدنه و نحو ثيابه (وَالسِّـوَاكُ وَالتَّبَخُّـرُ) بعد إزالة الريح الكريه : وأخذ نحو الظفر كما فى الجمعة حال كونه (مُسَرِّحًا) لشعر رأسه ولحيته ولابسا للثياب البـيض والعمامة و غير ذلك ، فقد كان مالك يفعل ذلك فقيل له . فقال : أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم . ولا أحدث إلا على الطهارة . وقال قتادة : لقد كان يستحب أن لا يقرأ الأحاديث إلا على طهارة . وقال ضرار بن مرة : كانوا يكرهون أن يحدثوا على غير طهر (وَاجْلِسْ) أيها المحدث (بِصَـدْرٍ) أى وسط مجلسه متلبسا (بِـ)كمال (أَدَبْ وَهَيْئَةٍ) وخشوع . قال مالك رضى الله تعالى عنه : مجالس العلم تحتضر بالخشوع والسكينة والوقار حال كونك (مُتَّكِئًـا عَلَـى رُتَـبْ) متمكنا فيها كما كان الامام مالك ، فانه إذا جاء أحد يطلب الحديث فعل ما تقدم : ثم يجلس على منصة ، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ (وَلا تَقُمْ) أيها المحدث (لأَحَدٍ) كائنا من كان ، فانه مكروه على ما صرح به فى التدريب . قال فقد قيل : إذا قام القارىء لحديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم لأحد فانه يكتب عليه بخطيئة اهـ . وقد نقله ابن الصلاح عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه لكن صرح بعضهم بأنه لا يكره للمدرس القيام لأكابر أهل الاسلام ، وعلله بأن ذلك من تعظيم شعائر الله وحرماته . وقد قال تعالى (( ومن يعظم شعائر الله فانها من تقوى القلوب )) ((ومن يعظم حرمات الله فهو خير له )) . وصح حديث (( قوموا لسيدكم أو خيركم )) يعنى سعد بن معاذ . قال : وقد ورد الأمر بإكرام العلماء و إكرام طلبة العلم فى نصوص كثيرة فليتأمل وليراجع (وَمَـنْ رَفَـعْ) من الحاضرين (صَوْتًا عَلَى الْحَدِيثِ) فى مجلسه (فَازْبُرْهُ) أى انتهره وازجره (وَدَعـ)ه : أى اتركه حتى يخرج من الحلقة ، فقد كان الامام مالك رضى الله تعالى عنه يفعل ذلك و يقول : قال الله تعالى : (( ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبى )) فمن رفع صوته عند حديثه فكأنما رفع (1 كذا فى النسخة بضم الراء . و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى بافتح وهو الحجر المرتفع |
وَلا تُحَدِّثْ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعْ | | أَوْ فِي الطَّرِيقِ أَوْ عَلَى حَالٍ شَنِعْ | |
وَافْتَتِـحِ الْمَجْلِـسَ كَالتَّتْمِيـمِ | | بِالْحَمْدِ وَالصَـلاةِ وَالتَّسْلِيـمِ | |
بَعْـدَ قِـرَاءَةٍ لآيٍ وَدُعَـا | | وَلْيَـكُ مُقْبِـلاًعَلَيْهِـمُو مَعَـا | |
صوته فوق صلى الله تعالى عليه وسلـم (وَلا تُحَدِّثْ) حال كونك (قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعْ) بالوقف على لغة ربـيعة (أَوْ) حال كونك (فِي) أثناء (الطَّرِيقِ) ولو كنت جالسا فيها (أَوْ) كونك (عَلَى حَالٍ شَنِعْ) من نحو الجوع أو الشبع المفرطين ونحوهما مما يسوء خلقك ، فقد كان مالك يكره أن يحدث فى الطريق أو وهو قائم أو وهو مستعجل ، وقال : أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم ، وسئل سعيد بن المسيب عن حديث وهو مضطجع فى مرضه فجلس وحدث به فقيل له : وددت أنك لم تتعنّ ؟ فقال : كرهت أن أحدث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم و أنا مضطجع وسئل ابن المبارك عن حديث وهو يمشى ، فقال : ليس هذا من توقير العلم (وَافْتَتِـحِ) أيها المحدث (الْمَجْلِـسَ) أى مجلس التحديث (كَالتَّتْمِيـمِ) له (بِـ)البسملة و(الْحَمْدِ) لله عز وجل (وَالصَـلاةِ وَالتَّسْلِيـمِ) على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم وآله وصحبه . قال ابن الصلاح : ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول : الحمد لله رب العالمين أكمل الحمد على كل حال ، والصلاة والسلام الأتمان على سيد المرسلين كلما ذكره الذاكرون ، وكلما غفل عن ذكره الغافلون : اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه وسائر النبيـين وآل كل وسائر الصالحين ، نـهاية ما ينبغى أن يسأله السائلون اهـ . وذلك (بَعْـدَ قِـرَاءَةٍ) قارىء حسن الصوت كما فى التقريب (لآيٍ) جميع آية من القرآن العزيز ، فقد روى الحاكم عن أبى سعيد رضى الله تعالى عنه قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم إذا اجتمعوا تذاكروا العلم وقرءوا سورة (وَدُعَـا)ء من المحدث يليق بالحال ومن أهمه هنا الدعاء بالتوفيق والإعانة والعصمة ، كأن يقول : اللهم ثبت جنانى ، وأدر الحق على لسانى ، وافتح على الحاضرين فتوح العارفين (وَلْيَـكُ) مستقبلا للقبلة ، و (مُقْبِـلاً عَلَيْهِـمُو) أى الحاضرين (مَعَـا) أى كلهم ، لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما مرفوعا (( أكرموا المجالس مااستقبل به القبلة)) . رواه أبو يعلى وغيره وحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه مرفوعا أيضا ((إن لكل شىء سيدا وإن سيد المجالس قبالة القبلة )) . رواه الطبرانى بسند حسن ، وقال حبيب بن أبى ثابت : إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعا ، وعلى ذلك عمل الأكثرين فى الدروس ولاسيما فى المسجد الحرام ، وبعضهم يجلس لإلقاء الدرس مستدبر القبلة والقوم أمامه قياسا على الخطبة ، ولأن أحواله صلى الله تعالى عليه وسلـم فى مواعظه أن يخطب لهم وهو مستدبر القبلة مستقبل الناس . قال بعض المحققين : والحكمة فى ذلك أن السنة كون المنبر فى صدر المسجد ، فلو استقبل القبلة مع ذلك لكان ذلك خارجا عن مقاصد الخطاب ، إذ يخاطب حينئذ من يكون خلف ظهره ، ولو جعل المنبر فى آخر المسجد واستقبل القبلة ، فان استدبره القوم واستقبلوا القبلة كان خارجا عن مقاصد . |
وَرَتِّلِ الْحَدِيثَ وَاعْقِدْ مَجْلِسَـا | | يَوْمًا بِأُسْبُوعٍ لِلاِمْلاَءِ ائْتِسَـا | |
ثُمَّ اتَّخِـذْ مُسْتَمْلِـيًا مُحَصِّـلا | | وَزِدْ إِذَا يَكْثُرُ جَمْعٌ وَاعْتَلَـى | |
الخطاب كما تقدم ، وإن استقبلوه واستدبروها لزم ترك الاستقبال لخلق كثير ، وتركه لواحد أسهل تأمل . (وَرَتِّلِ) أيها المحدث (الْحَدِيثَ) أى تأنّ فى قراءته ولا تسردها سردا يمنع فهم بعضه فـفى الصحيح (( أنه صلى الله تعالى عليه وسلـم إنما كان يحدث حديثا لو عده العاد أحصاه )) . وفى لفظ عند مسلم ((أنه صلى الله تعالى عليه وسلـم لم يكن يسرد الحديث كسردكم )) . وفى لفظ عند البيهقى عقيبه (( إنما كان حديثه تفهمه القلوب )) . وبقى من آداب التحديث شىء كثير فليطلب من الؤلفات فى التعليم ، ثم بين الكلام على الإملاء فقال (وَاعْقِدْ) أيها المحدث العارف استحبابا كما صرح به غيره (مَجْلِسَـا يَوْمًا) واحدا (بِأُسْبُوعٍ) كيوم الجمعة (لِلاِمْلاَءِ) أى إملاء الحديث لمن يكتبونه ، فانه من أعلى مراتب الرواية ، والسماع فيه أحسن وجوه التحمل و أقواها ، وذلك (ائْتِسَـا)ء : أى اقتداء بفعل الصحابة و التابعين وغيرهم من الأئمة : قال أبو الخطاب معروف الخياط : رأيت وائلة ابن الأسقع رضى الله تعالى عنه يملى على الناس الأحاديث وهم يكتبونه بين يديه . رواه البيهقى وغيره وفى البخارى كان ابن مسعود يذكر الناس فى كل يوم خميس ، وقال : إنى أكره أن أملكم وإنى أتخـوّلكم بالموعظة كما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم يتخـوّلنا بالموعظة مخافة السآمة علينا . وعن ابن عباس (( حدث الناس كل جمعة مرة ، فان أبيت فمرتين ، فان أكثرت فثلاث مرار )) . وكان ابن عساكر وغيره من الحفاظ يملون يوم الجمعة بعد صلاتـها . قال المصنف : فتبعتهم فر ذلك وقد ظفرت بحديث يدل على استحبابه بعد عصر يوم الجمعة ، وهو حديث أنس مرفوعا (( من صلى العصر ثم جلس يملى خيرا حتى يمسى كان أفضل ممن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل )) . رواه البيهقى (ثُمَّ اتَّخِـذْ) أيها المحدث (مُسْتَمْلِـيًا) واحدا ، فقد روى أبو داود وغيره عن رهفع بن عمرو قال : (( رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم يخطب الناس بمنى حين الضحى على بغلة شهباء و علىّ رضى الله عنه يعبر عنه )) وفى الصحيح عن أبى جمرة قال : كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس . و يكون المستملى (مُحَصِّـلا) متيقظا لا بليدا كمستملى يزيد بن هارون حيث سئل يزيد عن حديث فقال : حدثنا بن عدة ، فصاح المستملى يا أبا خالد عدة ابن من ؟ فقال يزيد له : ابن فقدتـك (وَزِدْ) أيها المحدث أكثر من مُسْتَمْل واحد (إِذَا يَكْثُرُ جَمْعٌ) من الطلبة بحسب الحاجة ، فقد أملى أبو مسلم الكجى وكان فى مجلسه سبعة مستملون يبلغ كل واحد صاحبه الذى يليه ، وحضر عنده نيف وأربعون ألف محبرة سوى النظارة ، وحضر مجلس عاصم بن على أكثر من مائة ألف انسان ، ومن لطيف ما ورد فى الاستملاء حكاية المزى عن عبد الله بن محمد المروزى قال : رأيت الحافظ يعقوب بن سفيان النسوى فى النوم فقلت : ما فعل الله تعالى بك . قال : غفر لى وأمرنى أن أحدث فى السماء كما كنت أحدث فى الأرض ، فحدثت فى السماء السابعة فاجتمع علىّ الملائكة واستملى علىّ جبريل ، وكتبوا بأقلام من الذهب ، ورآه فى النوم أحمد بن جعفر التسترى كأنه يحدث فى السماء السابعة وجبريل يستملى عليه (وَ) ينبغى أن يكون المستملى (اعْتَلَـى) أى يستملى مرتفعا على كرسى مُحْبِرة = penggembira ، النَّظّارة = para penonton |
يُبَلِّـغُ السَّامِـعُ أَوْ يَفْهَـمُ(1 | | وَاْسْتَنْصتَ النَّاسَ لِكَيْما يَفْهَمُـوا(2 | |
وَبَعْـدَهُ بَسْمَـلَ ثُـمَّ يَحْمَـدُ | | مُصَلِّـيًا وَبَعْـدَ ذَاكَ يُـورِدُ | |
مَا قُلْتَ أَوْ مَنْ قُلْتَ مَعْ دُعَائِهِ | | لَهُ وَقَالَ الشَّيْـخُ فِي انْتِهَائِـهِ | |
"حَدَّثَنَـا" وَيُـورِدُ الإِسْنَـادَا | | مُتَرْجِما شُيُوخَـهُ الإفْـرَادَا(3 | |
و نحوه ، وإلا فقائما على قدميه حتى يكون أبلغ للسامعين ، و (يُبَلِّـغُ) المستملى وجوبا لفظ المملى ويؤديه (السَّامِـعُ) على وجهه من غير تغيير (أَوْ يَفْهَـمُـ)ه ، فيتوصل من يسمع لفظ المملى على بعد منه إلى تفهمه وتحققه بإبلاغ المستملى . وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملى فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملى مطلقا من غير بيان الحال فيه على كلام تقدم (وَاْسْتَنْصَتَ) المستملى (النَّاسَ) الحاضرين حيث احتـيج للإستنصات للخبر المتفق عليه من حديث جابر بن عبد الله أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلـم قال له (( استنصت الناس )) و (لكيما يفهموا) أى الناس الحاضرون الحديث المملى (وَ) يقرأ قارىء حسن الصوت شيئا من القرآن كما تقدم ، ثم (بَعْـدَهُ بَسْمَـلَ) أى قال المستملى : بسم الله الرحمن الرحيم (ثُـمَّ يَحْمَـدُ) الله عز و جل (مُصَلِّـيًا) ومسلما على النبى صلى الله تعالى عليه وسلـم و يتحرى الأبلغ فى ألفاظ ذلك مثل ما تقدم عن ابن الصلاح . ونقل النووى عن جماعة أن أبلغ ألفاظ الحمد الحمد لله حمدا يوافى نعمه ويكافى مزيده ، ثم قال ليس لذلك دليل يعتمد . وقال السراج البلقينى : بل الأبلغ الحمد لله رب العالمين ، لأنه فاتحة الكتاب و آخر دعوى أهل الجنة . قال جمع : فينبغى الجمع بينهما ، ونقل النووى عن إبراهيم المروزى : أن أبلغ الصلاة اللهم صل على محمد كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ، ثم صوّب النووى بأن الذى ينبغى الجزم به أن أبلغها الصلاة الإبراهيمية التى علمها للصحابة ، و فيها روايات فلتطلب من مظانـها (وَبَعْـدَذَا)لـ(كَ) كله (يُـورِدُ) المستملى ويقول للمملى (مَا قُلْتَ) ياسيدنا من الأحاديث (أَوْ مَنْ قُلْتَ) يا سيدنا من الأسانيد (مَعْ دُعَائِهِ) أى المستملى (لَهُ) أى للشيخ المملى بنحو : رحمك الله ، أو رضى الله تعالى عنك . قال يحيى بن أكثم : نلت القضاء وقضاء القضاة والوزارة وكذا وكذا ما سررت بشىء مثل قول المستملى : من ذكرت رحمك الله ، أو رضى الله تعالى عنك (وَقَالَ الشَّيْـخُ) المملى (فِي انْتِهَائِـهِ) أى المستملى من ذلك ("حَدَّثَنَـا") شيخنا العلامة المتقن فلان حدثنا فلان وهكذا إلى أن تتصل به صلى الله تعالى عليه وسلـم قال يحيى بن أكثم قال لى الرشيد : ما أنبل المراتب ؟ قلت : ما أنت فيه قال : لكنى أعرفه رجل فى حلقة يقول : حدثنا فلان عن فلان قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم كذا هو خير منى ، لأن اسمه مقترن باسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم لا يموت أبدا نحن نموت ونفنى : والعلماء باقون ما بقى الدهر . قال عمر بن حبيب العدوى قال لى المأمون أى ابن الرشيد : ما طلبت من نفسى شيئا إلا وقد نالته ما خلا هذا الحديث ، فإنى كنت أحب أن أقعد على كرسى ويقال من حدثك .فأقول . حدثنى فلان قال : فقلت ياأمير المؤمنين فلم لا تحدث قال : لا تصلح الخلافة مع الحديث للناس : أوردهما الخطيب البغدادى (وَيُـورِدُ) الشيخ المملى (الإِسْنَـادَا) بتمامه ، وكلما ذكرالنبى صلى الله تعالى عليه وسلـم ، صلى وسلم المستملى رافعا صوته وكذا .. (1 (2 و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى السامعَ أو يُـفَهِّمُ .....النـاس إِذَا تَـكَلَّمُـوا (3 و فى النسخة التى كتبها جـرارد الحـنفى الناصرى الأفْـرَادَا بفتح الهـمزة |
وَذِكْرُهُ بِالْوَصْـفِ أَوْ بِاللَّقَـبِ | | أَوْ حِرْفَةٍ لا بَأْسَ إِنْ لَمْ يَعِـبِ | |
وَاْرْوِ فِي الاِمْلا عَنْ شُيُوخٍ عُدِّلُوا | | عَنْ كُلِّ شَيْخٍ أَثَـرًا(1 وَيُجْعَلُ | |
أَرْجَحُهُـمْ(2 مُقَـدَّمًا وَحَـرِّرِ | | وَعَالِـيًا قَصِيـرَ مَتْنٍ اخْتَـرِ | |
ثُـمَّ أَبِـنْ عُلُـوَّهُ وَصِحَّتَـهْ | | وَضَبْطَـهُ وَمُشْكِـلاً وَعِلَّتَـهْ | |
يترضى ويترجم على الأئمة ، روى الخطيب أن الربيع قال له القارىء يوما : حدثكم الشافعىيوما ، ولم يقل رضى الله تعالى عنه فقال الربيع : ولا حرف حتى يقال رضى الله تعالى عنه (مُتَرْجِمًـا شُيُوخَـهُ) أى ذاكرا لترجمتهم ومنقبتهم على وجه التعظيم والاختصار (الافْـرَادَ) كقول عطاء : حدثنى البحر ابن عباس ، وقول مسروق : وحدثنى الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة : يعنى عائشة ، ويجمع فى الشيخ بين اسمه وكنيته ، فهو أبلغ فى إعظامه ، نعم يقتصر فى الرواية على اسم من لا يشكل كمالك والليث وأيوب ويونس ، وكذا نسبته المشهور بـها كالشافعى والزهرى والشعبى . (وَذِكْرُهُ) أى الشيخ (بِالْوَصْـفِ) أى صفة نقص فى جسده عرف بـها : كسليمان الأعمش الكوفى وعاصم الأحول (أَوْ بِاللَّقَـبِ) كذلك كغندر لقب محمد بن جعفر صاحب شعبة ، ولوين لقب محمد ابن سليمان المصيصى (أَوْ) بـ(حِرْفَةٍ) كحناط والسمان والزيات والزبال (لا بَأْسَ) بذلك حيث كان معروفا بـها (إِنْ لَمْ يَعِـبِ) أى لم يقصد عيبه وإنما قصد تعريفه ، وظاهر إطلاقهم وإن كرهه الموصوف مثلا بذلك ، وبه صرح جماعة ، لكن فى ابن الصلاح إلا ما يكرهه من ذلك كما فى إسماعيل بن إبراهيم المعروف ((بابن علية)) وهى أمه ، وقيل جدته ، روينا عن يحيى بن معين أنه كان يقول : حدثنا إسماعيل بن علية فنهاه أحمد بن حنبل وقال : قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغنى أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه ، فقال : قد قبلنا منك يامعلم الخير انتهى . وفى النـزهة كان الشافعى يقول أنا إسماعيل الذى يقال له ابن علية (وَاْرْوِ) أيها المحدث (فِي الاِمْلا)ء أحاديث (عَنْ شُيُوخٍ عُدِّلُوا) لا غيرهم كالكذاب أو الفاسق المبتدع . روى مسلم فى مقدمة صحيحه عن ابن مهدى قال : لا يكون الرجل إماما وخو يحدث بكل ما سمع ، ولايكون الرجل إماما وهو يحدث عن كل أحد ، كذا فى التدريب ، وارو (عَنْ كُلِّ شَيْخٍ) منهم (أَثَـرًا) حديثا واحدا فى مجلس (وَيُجْعَلُ أَرْجَحُهُـمْ) بعلو سنده أو غيره (مُقَـدَّمًا) فى الرواية على من دونه فى الأرجحية (وَحَـرِّرِ) أيها المملى ما تمليه ، وتحرّ المستفاد منه (وَ) اختر (عَالِـيًا) فى سنده و (قَصِيـرَ مَتْنٍ) فى الفقه أو الترغيب (اخْتَـرِ) للاملاء ، قال على ابن حجر : وظيفتـا مائة لـلغريـ # ب فى كل يوم سوى ما يعاد شريكية أو هشـيمية # أحاديث فقة قصار جياد (ثُـمَّ أَبِـنْ) أى أظهر أيها المملى (عُلُـوَّهُ) وجلالته فى الاسناد وفائدة فيه وفى الحديث ، كتقدم تاريخ سماعه وانفراده عن شيخه ، وكونه لا يوجد عند غيره أو نحو ذلك (وَ) ابن (صِحَّتَـهْ) وحسنه (وَضَبْطَـهُ وَمُشْكِـلاً) فى الأسماء والألفاظ ، ومعنى غامض أو غريب فى المتن (وَ) ابن ضعفه و (عِلَّتَـهْ) (1 بالنصب مفعول به . و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى بالرفع وهو لحن على الطبعة (2 كذا فى النسخة بالرفع نائب للمفعول من يجعل المبنى للمفعول و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى بالنصب |
وَاْجْتَنِبِ الْمُشْكِـلَ كَالصِّفَـاتِ | | وَرُخَـصًا مَـعَ الْمُشَاجَرَاتِ | |
وَالزَّهُدُ مَعْ مَكَـارِمِ الأَخْلاقِ | | أَوْلَى فِي الاِمْـلاَ بِالاِتِّفَـاقِ | |
وَاْخْتِمْهُ بِالإِنْشَـادِ وَالنَّـوَادِرِ | | وَمُتْقِـنٌ خَرَّجَـهُ لِلْقَـاصِـرِ | |
إن كان معلا كحديث نفى البسملة السابق (وَاْجْتَنِبِ) الحديث (الْمُشْكِـلَ) الذى لاتحمله عقولهم ولا يفهمونه (كَـ)أحاديث (الصِّفَـاتِ) لما لايؤمن عليه من الخطأ والوهم والوقوع فى التشبيه والتجسيم ، ففى الحديث (( إذا حدثتم الناس عن ربـهم فلا تحدثوهم بـما يعزب أو يشق عليهم )) رواه البيهقى مرفوعا . وقال على بن أبى طالب (( أتحبون أن يكذب الله ورسوله حدثوا الناس بـما يعرفون ودعوا ما ينكرون )) رواه البخارى . وقال ابن مسعود (( ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولـهم إلا كان لبعضهم فتنة )) رواه مسلم (وَ) قال الخطيب البغدادى ويجتنب أيضا فى روايته للعوام (رُخَـصًا) أى أحاديثها (مَـعَ) أحاديث (الْمُشَاجَرَاتِ) أى المخاصمات الواقعة بين الصحابة رضى الله تعالى عنهم ، وكذا الأحاديث الإسرائيليات (وَ) إنما (الزَّهُدُ) والأدب (مَعْ) أحاديث (مَكَـارِمِ الأَخْلاقِ) من الكرم ولين الجانب وإنجاز الوعود وغيرها (أَوْلَى) من غيره (فِي الاِمْـلا)ء أى مجلسه (بِالاِتِّفَـاقِ) من المحدثين وغيرهم (وَاْخْتِمْهُ) أى مجلس الاملاء (بِالإِنْشَـادِ) للشعر المناسب لما هو بصدده ، فقد كان الزهرى يقول لأصحابه : هاتوا من أشعاركم هاتوا من أحاديثكم فإن الأذن بحاجة والقلب حمض (وَ) بـ(النَّـوَادِرِ) والحكايات والحكم والنكات الدقيقة كما هو عادة الأئمة (1) واستدل لذلك بقول على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه (( روحوا القلوب وابـتغوا لها طرف الحكمة )) رواه الخطيب . قال التاج ابن السبكى : سمعت الوالد فى درس العصر يقول ، وقد قيل له كانت العادة قديما أن يذكر مدرس (العصر نكتة : واذكروا مسألة أستخرج منها نكتة . فقلت : النكاح بلا ولىّ ، فقال فورا : هو باطل ، لأن قوله صلى الله تعالى عليه وسلـم (( أيما أمرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل )) إما أن يراد به حقيقة اللفظ أو صـورة .. . (1 قوله : كما هو العادة : أى من المحدثين والفقهاء وغيرهم . قال بعض المحققين : ينبغى للمدرس أن يذكر شيئا من الأدبيات على قدر الحاجة ، ومن النكات اللطيفة ، والأمور التى ليست فى بطون الدفاتر تشحيذا للأذهان ، وبذلك يفوح عبير العلم ، ومن هنا ترى الشخص عنده قليل من العلم لكنه يتصرف به كيف شاء ويغلب من عنده كثير من العلم لكن يجـب أن لا يطول بذلـك لـئلا يخرج عما هو بصدده ، وقـد قيـل : لا تألف النفس إذ كانت مغيرة # إلا التنقل من حال إلى حال وبالجملة فليكن على قدر ما يعطى الطعام من الملح انتهى . مثل ما حكى أن نصرانيا كان يخـتلف إلى الضحاك بن مزاحم ، فقال له يوما : لم تسلم ؟ قال : لأنى أحب الـخمر ولا أصبر عنها . قال : فأسلم واشربـها ، فأسلم ، فقال له الضحاك : إنك قد أسلم الآن ، فإن شربت الخمر حددناك ، و‘ن رجعت عن الاسلام قتلناك ، فثبت على إسلامه ، وكما حكى جعفر البونى قال : مررت بسائل على الجسر ، وهو يقول : فسلينا ضررا ، فدفعت إليه قطعة ، وقلت يا هذا لم نصبت ؟ قال : فديتك بإضمار ارحموا ، وكما حكى عن بعض العلماء قال : كان لك صديق من أهل النصرة ، وكان ظريفا أديبا ، فوعدنا أن يدعونا إلى منـزله ، فكان يمر فكلما رأيناه قلنا (( متى هذا الوعد إن كنتم صادقين )) فسكت إلى أن اجتمع ما يريد ، فمر بنا فأعدنا عليه القول ، فقال (( انطلقواإلى ما كنتم به تكذبون )) |
أَوْ حَافِـظٍ بِمَايَهُـمُّ(1 يُشْغَـلُ | | وَقَابِـلِ الإِمْـلاءَ حِينَ يَكْمُلُ | |
مسألة | |
وَذُو الْحَدِيثِ وُصِفُوا فَخُصَّا(2 | | بِـ" حَافِظٍ "،كَذَا الْخَطِيبُ نَصَّا | |
النـزاع ، وهى الحرة البالغة العاقلة ، أو مقيد بقيد يندرج فيه أو شىء يلزم منه أو أحد هذه الأمور الأربعة أو القدر المشترك بين الأول والثانى والأول والثالث والأول والرابع ، أو بين الثانى والثالث أو الثانى والرابع أو الثالث والرابع ، فهذه أحد عشر قسما علة تقدير إرادة واحدة منها يلزم ثبوت الحكم فى صورة النـزاع ، وواحد منها مرهد ، لأنه جائز الإرادة مع صلاحية اللفظ له وغيرها منتف بالأصل ، فإذا ثبت أحد الملزومات الأحد عشر يثبت اللازم ، وهو أن النكاح بلا ولى باطل ، وأيضا فاعتقاد البطلان راجح ، لأنه على أحد عشر تقديرا كلها عليه دليل ، واحتمال الصحة على احتمال واحد لا دليل عليه فيكون مرجوحا ، فاعتقاد الصحة مع ذلك ممتـنع ، لأنه يلزممنه الترجيح بلا مرجح وهو باطل ، فيكون اعتقاد الصحة باطلا فيثبت مقابله . وهو اعتقاد البطلان ، والله أعلم . (وَ) إذا كان مريد الاملاء قاصرا عن تخريج ما يمليه وهناك (مُتْقِـنٌ) أى حافظ عارف بالتخريج (خَرَّجَـهُ) أى الحديث (لِـ)لمملى ا(لْقَـاصِـرِ) عن ذلك إعانة له فى قصده . (أَوْ) لم يكن المملى قاصرا بل (حَافِـظٍ) متمكن من التخريج لما يمليه لكنه (بِمَا يَهُـمُّـ)ه (يُشْغَـلُ) الإفتاء أو التصنيف مثلا فيعينه حافظ آخر فى تخريج الأحاديث التى يريد إملاءها فلا بأس بذلك ، فقد فعله جماعة : كأبى الحسين بن بشران وأبى القاسم السراج وغيرهما (وَقَابِـلِ) أيها المملى (الإِمْـلاءَ) أى الحديث الذى قد أملاه (حِينَ يَكْمُلُ) منع . قال ابن الصلاح : فلا غناء عن مقابلته وإتقانه وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم وطغيانه ، هذا كلامه ، وتقدم فى مبحث المقابلة حديث زيد بن ثابت . قال الحافظ العراقى : وقد رخص ابن الصلاح هناك فى الرواية بدون المقابلة بشروط ثلاثة ، ولم يذكر ذلك هنا ، فيتحمل أن يحمل هذا على ما تقدم ، ويحتمل الفرق بين النسخ من أصل سماع الشيخ والنسخ من إملائه حفظا ، لأن الحفظ خوّان ، وقد جرت عادة المصنف السيوطى بتخريج الإملاء وتحريره فى كراسة ثم يملى حفظا ، وإذا نجز قابله المملى معه على الأصل الذى حرره وهو أتقن ، وذكر أن الإملاء درس بعد ابن الصلاح إلى أواخر أيام الحافظ العراقى فافتـتحه سنة 796 فأملى أربعمائة مجلس وبضعة عشر مجلسا إلى سنة وفاته سنة 806 ثم أملى ولده أبو زرعة إلى وفاته سنة 826 ستمائة مجلس وكسرا ، ثم أملى الحافظ ابن حجر إلى أن توفى سنة 852 أكثر من ألف مجلس ، ثم درس تسع عشرة سنة ، ثم افتتـحه المصنف أول سنة 872 فأملى ثمانين مجلسا ، ثم خمسين أخرى ، و الله أعلم . مسئلة . فى بيان حد الحافظ والمحدث والمسلم (وَذُو الْحَدِيثِ) أى أهل الحديث النبوى (وُصِفُوا) بأوصاف متعددة اصطلاحا منهم (فَـ)بعضهم (خُصَّا بـ)اسم (حافظ) من الحفظ . قال ابن مهدى : هو الاتقان . وقال أبو زرعة : الاتقان ...... (1 كذا فى النسخة بفتح الياء مع ضم الـهاء . و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى بضم الياء مع كسر الـهاء . (2 قوله ذو الحديث مبتداء و الفعل بعده خبره و يجعل مبنيا للمفعول مع ضمبر الجمع الراجع إلى المبتداء المجموع و هكذا المراد ، كما أشار إليه الشارح . وهو صريح . و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى (وَذَا الْحَدِيثِ وَصَفُوا فَخْـتَصَّا) بالجملة الفعلية مع تقديم المفعول المفرد . و يكون فى ضمير الجمع إحتمالان راجع إلى أهل الحديث النبوى خصوصا و إلى العلماء عموما |
وَهْوَ الَذِي إِلَيْـهِ فِى التَّصْحِيحِ | | يُرْجَعُ وَالتَّعْدِيـلِ وَالتَّجْرِيـحِ | |
أَنْ يَحْفَظَ السُّنَّةَ مَا صَحَّ وَمَـا | | يَدْرِي الأَسَانِيدَ وَمَا قَدْ وَهِمَـا | |
فِيهِ الرُّوَاةُ زَائِـدًا أَوْ مُدْرَجَـا | | وَمَا بِهِ الإِعْلالُ فِيهَـا نَهَجَـا | |
يَدْرِي اصْطِلاحَ الْقَوْمِ وَالتَّمْيِيْزَا | | بَيْنَ مَرَاتِبِ الرِّجَـالِ مَيَّـزَا | |
فِي ثِقَةٍ وَالضَّعْـفِ وَالطِّبَـاقِ | | كَذَا الْخَطِيبُ حَـدَّ لِلإِطْـلاقِ | |
وَصَرَّحَ الْمُزِّيُّ (1 أَنْ يَكُونَ مَـا | | يَفُوتُـهُ أَقَـلَّ مِمَّـا عَلِمَـا | |
أكثر من حفظ السرد . وقال غيره الحفظ : المعرفة (كَذَا) أبو بكر (الْخَطِيبُ) البغدادى (نَصَّا) على ذلك وغيره أيضا . (وَهْوَ) أي الحافظ فى اصطلاح المحققين ذو الحديث (الَّـذِي إِلَيْـهِ فى التَّصْحِيـحِ) أى الحكم بالصحة للأسانيد والمتون (يُرْجَعُ) بالبناء للمفعول (وَ) يرجع إليه فى (التَّعْدِيـلِ) للرواة (وَالتَّجْرِيـحِ) لهم ، وإنما كان كذلك بـ(أَنْ يَحْفَظَ السُّنَّةَ) النبوية (مَا صَحَّ) منها (وَ) يحفظ (مَـا يَدْرِي) به (الأَسَانِيدَ) أى صحتها (وَمَا قَدْ وَهِمَـا) أى غلط (فِيهِ الرُّوَاةُ) سواء كان (زَائِـدًا أَوْ مُدْرَجَـا) فى المتن أو فى الإسناد (وَمَا بِهِ الإِعْلالُ فِيهَـا) أى الأسانيد والرواة (نَهَجَـا) أى سلك وهو مع ذلك (يَدْرِي) أى يعرف معرفة تامة (اصْطِلاحَ الْقَوْمِ) المحدثين فى علم الحديث ، وهو يشتمل على أنواع كثيرة تبلغ نحو مائة ، كل نوع منها علم مستقل ، وقد ذكر ابن الصلاح منها خمسة وستين وقال : وليس ذلك بآخر الممكن فى ذلك ، فإنه قابل للتـنويع إلى ما لا يحصى ، إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتـهم ، ولا أحوال متون الحديث وصفاتـها ، وما من حالة منها ولا صفة إلا وهى بصدد أن تفرد بالذكر وأهلها ، فإذا كل نوع على حاله انتهى (وَالتَّمْيِـيْزَا) (2) أى التميـيز الذى (بَيْنَ مَرَاتِبِ الرِّجَـالِ) الرواة وهى كثيرة جدا ، غير أن مسلما ذكر أنه يقسم الأحاديث ثلاثة أقسام : ما رواه الحفاظ المتقنون ، وما رواه المستورون المتوسطون فى الحفظ والاتقان ، وما رواه الضعفاء والمتروكون ، وأنه إذا فرغ من الأول أتبعه الثانى . وأما الثالث فلا يعرج عليه ، وقد (مَيَّزَا) أيضا الرجال الذين هم (فِي) مرتبة (ثِقَةٍ وَ) فى مرتبة (الضَّعْـفِ وَ) ميز بكتابة (الطِّبَـاقِ) زاد ابن السبكى ، ودار على الشيوخ وتكلم فى الوفيات والمسانيد (كَذَا الْخَطِيبُ) أبو بكر البغدادى (حَـدَّ) أى عرّف ذا الحديث (لِلإِطْـلاقِ) أى إطلاق اسم الحافظ عليه (وَ) سأل الامام التقىّ السبكى الحافظ جمال الدين أبا الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزى عن حد الحفظ الذى إذا انتهى إليه جاز أن يطلق عليه الحافظ ، فأجاب بأنه يرجع إلى أهل العرف فقال : وأين أهل العرف قليل جدا فـ(صَرَّحَ (الْمُزِّيُّ) (3) فالجواب ثانيا بـ(أَنْ يَكُونَ مَـا يَفُوتُـهُ) من الرجال وتراجمهم وأحوالهم وبلدانـهم (أَقَـلَّ مِمَّـا عَلِمَـا) من ذلك ليكون الحكم للغالب ، فقال السبكى له : هذا عزيز فى هذا الزمان أدركت أنت أحدا كذلك ؟ فقال : مارأينا مثل شرف الدين الدمياطى ، ثم قال وابن دقيق العيد كان له فى هذا مشاركة جيدة ولكن أين السها من الثرى ! فقال السبكى : كان يصل إلى هذا الحد . قال المزّى : ما هو إلا كان يشارك (1 كذا في النسخة بضم الميم . و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى بكسر الميم . (2 أى تمييز القوم بإضافته إلى مثل ما أضاف إليه المعطوف عليه . و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى التميز على وزن تفعل (3 وفى تعليقات المحقق أحمد شاكر بكسر الميم والزاي ، نسبة إلى ((المزة)) : قرية كبيرة فى وسط بساتين دمشق ، وهو شيخ الحافظ الذهبى ، و توفي يوم السبت ثاني عشر صفر سنة 742 رحمه الله . |
وَدُونَهُ " مُحَدِّثٌ " أَنْ تُبْصِـرَهْ | | مِنْ ذَاكَ يَجْرِي جُمَلاً مُسْتَكْثَرَهْ | |
وَمَنْ عَلَى سَمَاعِـهِ الْمُجَـرَّدِ | | مُقْتَصِرٌ لا عِلْمِها بِـ"الْمُسْنِدِ" | |
مشاركة جيدة فى هذا: أى فى الأسانيد، وكان فى المتون أكثر لأجل الفقه و الأصول (وَدُونَهُ) أى الحافظ فى الرتبة (مُحَدِّثٌ) فالحافظ أخص منه ، هذا هو التحقيق عند المتأخرين. وأما المتقدمون فيطلقون المحدث والحافظ بمعنى، أفاده فى التدريب، فالمحدث (أَنْ تُبْصِـرَهْ) أى تعرفه (مِنْ ذَاكَ) الذى ذكرناه فى ضابط الحافظ (يَجْرِي جُمَلاً مُسْتَكْثَرَهْ) لا كلها، فقد قال التاج السبكى: إنما المحدث من عرف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال والعالى والنازل وحفظ مع ذلك جملة مستكثرة من المتون، وسمع الكتب الستة، ومسند أحمد بن حنبل وسنن البيهقى ومعجم الطبرانى، وضم إلى هذا القدر ألف جزء من الأجزاء الحديثية، هذا أقل درجاته، قال: ثم يزيد الله من يشاء ما يشاء انتهى. وهذا إشارة إلى الحافظ. وقال أبو الفتح ابن سيد الناس: أما المحدث فى عصرنا: فهو من اشتغل بالحديث رواية ودراية وجمع رواة واطلع على كثير من الرواة و الروايات فى عصره، و تميز فىذلك حتى عرف فيه خطه واشتهر فيه ضبطه، فإن توسع فى ذلك حتى عرف شيوخه وشيخ شيوخه طبقة بعد طبقة بحيث يكون ما يعرفه أكثر مما يجهله منها ، فهذا هو الحافظ انتهى، وسأل الحافظ ابن حجر شيخه الحافظ العراقى هل يتسامح بنقص بعض الأوصاف التى ذكرها المزّى وأبو الفتح فى وصف الحافظ لنقص زمانه أم لا ! أن الاجتهاد فى ذلك يختلف باختلاف غلبة الظن. قال: وكلام المزّى فيه ضيق، وكلام أبى الفتح سهل لمن جعل ما ذكره شغله دون غيره من حفظ المتون و الأسانيد ومعرفة أنواع علوم الحديث كلها ، ومعرفة الصحيح من السقيم ومعمول به من غيره وإختلاف العلماء، واستنباط الأحكام، فهو أمر ممكن بخلاف ما ذكر من جميع ذلك، فإنه يحتاج إلى فراغ وطول غمر وانتفاء الموانع ، وقد روى عن الزهرى(1 ) أنه قال: لا يولد الحافظ إلا فى كل أربعين سنة، فإن صح كان المراد رتبة الكمال فى الحفظ والإتقان، وان وجد فى زمانه بالحفظ، وكم من حافظ وغيره أحفظ منه، والله أعلم (وَمَنْ عَلَى سَمَاعِـهِ الْمُجَـرَّدِ) عن معرفة ما ذكرناه فى الحافظ والمحدث (مُقْتَصِرٌ) عليه بـ(لا عِلْمِها) أى تلك الأمور المشترطة فى الحافظ والمحدث فاشتهر اسمه و وصفه (بِـالْمُسْنِدِ) بكسر النون فهو من يروى الحديث باسناده سواء كان عنده علم به أو ليس له إلا مجرد الرواية، ويقال له الطالب ... (1) قوله : وقد روى عن الزهرى الخ فى((بغية الوعاة للمصنف)) ما نصه. قال المرزبانى: حدثنى أحمد بن محمد العروضى قال: حكي عن أبى محكم أى محمد بن هشام بن عوف الشيبانى اللغوى أنه قال: لما قدمت مكة لزمت ابن عيـينة فلم أكن أفارق مجلسه، فقال لى يوما يا فتى أراك حسن الملازمة والاستماع، ولا أراك تحظى من ذاك بشىء. قلت: وكيف؟ قال: لأنى لا أراك تكتب شيئا مما يمر. قلت: إنى أحفظه قال: كل ما حدثت به حفظته. قلت: نعم، فأخذ دفتر إنسان بين يديه، وقال: أعد على ما حدثت به اليوم فأعدته، فما أخرجت منه حرفا فأخذ مجلسا آخر من مجالسه فقرأته عليه، فقال: حدثنا الزهرى عن عكرمة قال: قال ابن عباس: يقال: أنه يولد فى كل سبعين سنة من يحفظ كل شىء قال: وضرب بيده على جنبى، وقال: أراك صاحب السبعين، انتهى كتبه الشارح عفا الله عنه آمين. (1) كذ فى النسخة . و تقع نسختان أخريان : ( يحوى جملا) و (يحوى جملة) . قال الشيخ محمد علي بن آدم في شرحه : وفي نسخة ( جملة ) (2) كذ فى النسخة و فى النسخة التى كتبها جرارد الحـنفى الناصرى (لا عِلْمَ سِمْ) بمبنى الفتح على اسم الجنس مع فعل الأمر بعده من وسم يسم وسما |
وَبِـ " أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ " لَقَّبُـوا ذَوِي الْحَدِيثِ قِدْمًا(1) ذَا مَنْقَبُ |
آداب طالب الحديث | |
وَصَحِّحِ النِّيَّـةَ ثُـمَّ اسْتَعْمِـلِ(4 | | مَكَارِمَ الأَخْـلاقِ ثُمَّ حَصِّـلِ | |
والمبتدىء والراوى (3)، وزاد جمع فوق الحافظ آخرين : الحجة قالوا : وهو من أحاط علمه بثلثمائة ألف حديث متنا وإسنادا وأحوال رواته جرحا وتعديلا وتاريخا ، وفوقه الحاكم قالوا : وهو الذى أحاط علمه بجميع الأحاديث المروية كذلك (وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ) الذى هو لقب الخلفاء بعد أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنهم (لَقَّبُـوا) أى العلماء (ذَوِي الْحَدِيثِ) أى أصحابه الحفاظ الكبار (قِدْمًا) أى فى العصر الأول و (ذَا) اللقب (مَنْقَبُ) لهم أىّ منقب ، روى الطبرانى وغيره عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم ((اللهمّ ارحم خلفائى ، قلنا يا رسول الله ومن خلفاؤك ؟ قال الذين يأتون من بعدى يروون أحاديثى وسننى)) فكان تلقيب المحدث بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مأخوذا من هذا الحديث ، إذ لا ريب أن أداء السنن إلى المسلمين نصيحة لهم من وظائف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فكان المحدثون خلفاءه ، وقد لقب بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ جماعة منهم سفيان واسحاق بن راهويه والامام البخارى والدارقطنى وغيرهم ، والله أعلم . (1) و فى نسخة قِدَمًا بفتح الدال لعله سبق القلم على الطبعة والصواب بتسكينها . كما شرحه الشارح و فى تعليقة أنه قال الشيخ محمد علي بن آدم في شرحه : وفي نسخة المحقق : ( أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ قِدْمًا نَسَبُوا ) وعليها فلابد من تسكين الدال للوزن . قلت ليس كذلك بل إنه بتسكينها المراد لأن القِدْم فى الزمان القديم بخلافه بالفتح وهو الحالة التى هى أقدم و أسبق كما فى المنور (3) قال الشيخ أحمد محمد شاكر فى تعليقته : وأما عصرنا هذا فقد ترك الناس فيه الرواية جملة ، ثم تركوا الاشتغال بالأحاديث إلا نادرا ، وقليل أن ترى منهم من هو أهل لأن يكون طالبا لعلوم السنة ، وهيهات أن تجد من يصلح أن يكون محدثا. وأما الحفظ فإنه انقطع أثره ، وختم بالحافظ ابن حجر العسقلانى رحمه الله ، ثم قارب السخاوى والسيوطى أن يكون حافظين ، ثم لم يـبق بعدهما أحد. ومن يدرى : فلعل الأمم الإسلامية تستعيد مجدها وترجع إلى دينها وعلومها ، ولا يعلم الغيب الا الله. وصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم ((بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ)). (4) قال الشيخ أحـمد محمد شاكر فى تعليقته : فى الأصل المقروء على المصنـف ((ثم المستعمل)) وهو خطـأ واضـح. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
Tidak ada komentar:
Posting Komentar