Sabtu, 21 Agustus 2010

3.4. آداب طالب الحديث

آداب طالب الحديث
584- وَصَحِّحِ النِّيَّـةَ ثُـمَّ اسْتَعْمِـلِ(4 مَكَارِمَ الأَخْـلاقِ ثُمَّ حَصِّـلِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

آداب طالب الحديث
وهو النوع الحادى والأربعون
(وَ) قد اندرج طرف منه فى ضمن ما تقدم ، فأول ما عليك (صَحِّحِ) أيها الطالب للحديث (النِّيَّـةَ) فيه بتحقيق الاخلاص فى طلبه وإحذر كل الحذر من التوصل به إلى شىء من الأغراض الدنيوية كالرياسة والجاه والمال ومباهاة الأقران والتصدير فالمجالس وتعظيم الناس له وغير ذلك فتستبدل الأدنى بالذى هو خير . قال صلى الله تعالى عليه وسلـم ((من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) رواه أبو داود وغيره . قال حماد بن سلمة : من طلب الحديث لغير الله تعالى مكر به ، سئل أبو جعفر بن حمدان عن أى نية يكتب الحديث ؟ فأجاب بأن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة ، ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلـم رأس الصالحين (ثُـمَّ اسْتَعْمِـلِ) أيها الطالب (مَكَارِمَ الأَخْـلاقِ) ومحاسن الشيم ، لأن الحديث علم يناسبهما وينافر ضدهما . قال أبو عاصم النبيل : من طلب هذا الحديث فقد طلب أعلى أمور الدين ، فيجب أن يكون خير الناس ، وأسأل الله عز وجل التيسير والتأييد والتوفيق والتسديد لذلك (ثُمَّ حَصِّـلِ) أيها الطالب بإفراغ جهدك فى التفصيل والاغتنام فيه ، ففى مسلم عن أبى هريرة مرفوعا ((احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولاتعجز)) وقال يحيى بن أبى كثير : لا ينال العلم براحة الجسم . وقال الإمام الشافعى رضى الله تعالى عنه : لا يطلب العلم من يطلبه بالملك والغنى فيفلح ، ولكن من طلبه بذلة النفس و ضيق العيش وخدمة العلم أفلح . وقال أيضا : لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل . وقال أيضا : لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس . قيل ولا الغنى المكفى ؟ قال


-->

585-
مِنْ أَهْلِ مِصْرِكَ الْعَلِيِّ فَالْعَلِي

ثُمَّ البِلادَ ارْحَـلْ وَلا تَسَهَّـلِ
586-
فِي الْحَمْلِ،وَاعْمَلْ بِالَّذِي تَرْوِيهِ

وَالشَّيْخَ بَجِّلْ لا تُطِـلْ عَلَيْـهِ
ولا الغنى المكفى . وقال مالك : لا يبلغ أحد هذا العلم ما يريد حتى يضر به الفقر ويؤثره على كل شىء ، وابتدىء بالسماع . (مِنْ أَهْلِ مِصْرِكَ) أى شيوخ بلدك (الْعَلِيِّ فَالْعَلِي) من حيث العلم والاسناد والشهرة والدين وغيره إلى أن يفرغ منهم ، وابتدىء بافرادهم ، فمن تفرد بشىء أخذه عنه أولا ، ولا ترحل عن بلدك قبل ذلك ، لأن المقصود من الرحلة كما قاله الخطيب : تحصيل علو الاسناد ، وقدم السماع ولقاء الحفاظ ومذاكرتهم والاستفادة منهم ، فحيث وجدت ذلك فى بلدك ولم يوجد فى غيره فلا فائدة فى الرحلة أو وجدته فيهما فحصل حديث بلدك (ثُمَّ البِلادَ) الأخر (ارْحَـلْ) وعند عزمك على الرحلة فلا تترك أحدا فى بلدك من الرواة إلا وتكتب عنه ما تيسر من الأحاديث ، وأن قلت كما قال بعض الأخيار: ضيع ورقة ولا تضيع شيخا . ثم الرحلة عادة الحفاظ المبرزين ، والأصل فيها رحلة جابر بن عبد الله من المدينة إلى الشام لسماع حديث القصاص فى القيامة عن عبد الله ابن أنيس ، ورحلة بعض الأنصار من المدينة أيضا إلى مصر لسماع حديث ((من وجد مسلما على عورة فستره فإنما أحيا موءودة من قبرها)) عن عقبة بن عامر رواهما البيهقى وغيره . قال يحيى ابن معين : أربعة لاتؤنس منهم رشدا ، وذكر منهم رجلا يكتب فى بلده ولا يرحل فى طلب الحديث وقال إبراهيم بن أدهم : إن الله تعالى يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث (وَلا تَسَهَّـلِ) بحذف إحدى التاءين : أى لا يحملك الشره والحرص على التسهل (فِي الْحَمْلِ) للحديث فـتخل بشىء من شروطه المتقدمة ، فان شهرة السماع لا تنـتهى ، ونـهمة الطلب لا تنقضى ، والعلم كالبحار التى يتعذر كيلها ، والمعادن التى لا ينقطع نيلها . قال على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه : العلم كثر فخذوا من كل شىء أحسنه . وقال بعض الفضلاء :
ما حوى العلم جميعا أحد # لا ولو مارسه ألف سنه
إنما العلم كبحر زاخر # فخذوا من كل شىء أحسنه
(وَاعْمَلْ) أيها الطالب (بِـ)الحديث (الَّذِي تَرْوِيهِ) من أحاديث الفضائل فانه سبب الحفظ وزكاة الحديث . قال وكيع : إذا أردت أن تحفظ الحديث فاعمل به ، وقال إبراهيم بن مجمع : كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل . وقال بشر بن الحارث الحافى : أدوا زكاة هذا الحديث ، اعملوا من كل مائتى حديث بخمسة أحاديث . وفى التنـزيل ((أنفقوا من طيبات ما كسبتم)) وفيه أيضا ((الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) (وَالشَّيْخَ بَجِّلْ) أى عظم أيها الطالب شيخك وانظر إليه بعين الاجلال ، واعتقد فيه درجة الكمال ، ففى الحديث ((تواضعوا لمن تعلمون منه)) . رواه البيهقى ، وقد كان الأئمة على غاية فى تبجيل شيوخهم . قال المغيرة : كنا نـهاب إبرهيم كما نـهاب الأمير . وقال أبو عبيد : ما دققت على محدث بابه قط ، لقوله تعالى ((ولو أنـهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم)) . وقال الشافعى : كنت أتصفح الورقة صفحا رقيقا لئلا يسمع ، أى مالك وقعتها . وقال الربيع : والله ما اجترىء أن أشرب الماء والشافعى ينظر إلىّ هيبة له . وقال الامام .
587-
وَلا يَعُوقَنْكَ الْحَيَا عَنْ طَلَـبِ

وَالْكِبْرُ، وَابْذُلْ مَا تُفَادُ، وَاْكْتُبِ
588-
لِلْعَالِ وَالنَّـازِلِ لاِسْتِبْصَـارِ

لا كَثْـرَةِ الشُّيُـوخِ لاِفْتِخَـارِ
589-
وَمَنْ يُفِدْكَ الْعِلْـمَ لا تُؤَخِّـرِ

بَلْ خُذْ وَمَهْمَا تَرْوِ عَنْهُ فَانْظُرِ
أحمد ما رأيت أحدا أوقر للمحدثين من يحيى بن معين ، و (لا تُطِـلْ عَلَيْـهِ) أى على شيخك بحيث تضجره ، بل اقنع بما يحدثك به ، لأن الإضجار يغير الأفهام ، و يفسد الأخلاق ، ويحيل الطباع . سأل رجل ابن سرين عن حديث وقد أراد القيام فقال : إنك إن كلفتنى ما لم أطق ساءك ماسرك منى من خلق . قال ابن الصلاح : ويخشى على فاعل ذلك أن يحرم من الانتفاع . وقال الزهرى : إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيب . (وَلا يَعُوقَنْكَ) بنون التوكيد الخفيفة (الْحَيَا عَنْ طَلَـبِ) أى لا يمنعك الحياء (وَ) لا (الْكِبْرُ) عن السعى التلم فى طلب الحديث وأخذه ، بل تأخذه ولو ممن هو دونه فى نحو السن . قالت عائشة : نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين . وقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه : من رق وجهه دق علمه ، وقال أيضا : لاتتركه اى العلم حياء من طلبه ولا زهادة فيه ولا رضى بجهالة . وقال مجاهد : لا ينال العلم مستحى ولا مستكبر . وقال وكيع : لا ينبل الرجل من أصحاب الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه و عمن هو مثله و عمن هو دونه . (وَ) إذا ظفرت أيها الطالب بسماع شيخك فـ(ابْذُلْ) بالذال المعجمة : أى أرشد غيرك من الطلبة (مَا تُفَادُ) به من ذلك ولاتكن مستبدّا به ، لأنه لؤم وقع فيه غالب الطلبة . قال الإمام مالك : من بركة الحديث إفادة بعضهم بعضا . وقال إبن معين : من بخل بالحديث وكتم على الناس سماعهم لم يفلح . وقال ابن راهويه : قد رأينا أقواما منعوا هذا السماع ، فوالله ماأفلحوا ولا أنجحوا . و عن ابن عباس رفعه ((اخوانى تناصحوا فى العلم ولا يكتم بعضكم بعضا ، فإن خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانته فى ماله)) . رواه الخطيب . وقال ابن المبارك : من بخل بالعلم ابتلى بثلاث إما أن يموت فيذهب علمه أو ينسى أو يتبع السلطان (وَاْكْتُبِ) أيها الطالب (لِـ)كل ما وقع لك من ا(لْعَالِ وَالنَّـازِلِ) من الأسانيد والكتب والأجزاء (لِـ)أجل(اسْتِبْصَـارِ) الصك (لا) لأجل (كَثْـرَةِ الشُّيُـوخِ) والكتب ونحوها (لاِفْتِخَـارِ) بـها . قال ابن نذ الللاح (1) : وليس بموفق من ضيع شيئا من وقته فى الإكثار من الشيوخ بمجرد اسم الكثرة وصيتها . قال المصنف : فإن ذلك شىء لا طائل تحته (وَمَنْ يُفِدْكَ) أيها الطالب (الْعِلْـمَ) فـ(لا تُؤَخِّـرِ) أخذه منه (بَلْ خُذْ)ه منه كائنا من كان ، فعن أنس مرفوعا ((العلم ضالة المؤمن حيث وجدها أخذها)) .وفى رواية للقضاعى ((حيثما وجد المؤمن ضالة فليجمعها إليه)) ، و عن ابن عمر رفعه ((خذ الحكمة ولا يضرك من أى وعاء خرجت)) وقال علىّ : انظر إلى ماقال ولاتنظر إلى من قال. (وَ) لكن (مَهْمَا تَرْوِ عَنْهُ) أى ترد الرواية لذلك عن ذلك المفيد (فَانْظُرِ) وتأمل ولا ترو كله ، ففى الحديث ((كفى بالمرء كذبا أن يحدّث بكل ما سمع)) وقال ابن مهدى : لا يكون إماما يقتدى به حتى يمسك بعض ما سمع . وقال النووى : معناه أنه إذا حدّث بكل ما سمع كثر الخطأ فى روايته فترك الاعتماد عليه والأخذ عنه . قال المصنف :
(1) كذا فى النسخة لعله خطأ على الطبعة . وأظن أنه ابن الصلاح .
590-
فَقَدْ رَوَوْا : " إِذَا كَتَبْتَ قَمِّـشِ

ثُـمَّ إِذَا رَوَيْتَـهُ فَفَتِّـشِ "
591-
وَتَمِّمِ الْكِتَـابَ فِـي السَّمَـاعِ

وَإِنْ يَكُـنْ لِلاِنْتِخَـابِ دَاعِ
592-
فَلْيَنْتَخِبْ عَالِيَـهُ وَمَا انْفَـرَدْ

وَقَاصِرٌ أَعَانَـهُ مَـنِ اسْتَعَـدّ
593-
وَعَلَّمُوا فِي الأَصْـلِ لِلْمُقَابَلَهْ

أَوْ لِذَهَـابِ فَرْعِـهِ فَعَادَ لَهْ
594-
وَسَامِـعُ الْحَدِيـثِ بِاقْتِصَـارِ

عَنْ فَهْمِـهِ كَمَثَـلِ الْحِمَـارِ
(فَقَدْ رَوَوْا) أى جماعة من المحققين عن أبى حاتم محمد بن إدريس الرازى ذاك الحافظ الجليل أنه قال (إِذَا كَتَبْتَ) أيها الطالب فـ(قَمِّـشِ ثُـمَّ) من القماش وهو فى الأصل كما فى القاموس : ماعلى وجه الأرض من فتات الأشياء حتى يقال لرذالة الناس قماش ، وما أعطانى إلا قماشا : أى أردأ ما وجده وتقمش : أكل ما وجد وأن كان دونا (ثم إِذَا رَوَيْتَـهُ) أى أردت رواية ما كتبته (فَفَتِّـشِ) حتى لا تروى مالا يسوغ لك روايته . قال الحافظ العراقى كأنه : أى أبا حاتم أراد اكتب الفائدة ممن سمعـتها ولا تؤخر حتى تنظر : هل هو أهل للأخذ عنه أم لا ؟ فربما فات بموته أو سفره أو غير ذلك فإذا كنت وقت الرواية أو العمل ففتش حينئذ ، ويحتمل أنه أراد استيعاب الكتاب وترك انتخابه أو استيعاب ما عند الشيخ وقت التحمل ، ويكون النظر فيه حال الرواية . قال : وقد يكون قصد المحدث تكثير طرق الحديث وجمع أطرافه فتكثر بذلك شيوخه ولا بأس به ، فقد ثال أبو حاتم نفسه : لو لم نكتب الحديث من ستين وجها ما عقلناه (وَتَمِّمِ) أيها الطالب (الْكِتَـابَ) والجزء (فِـي السَّمَـاعِ) والكتابة أيضا ولا تنـتخب ، فقد قال ابن المبارك : ما انتخبت على عالم قط إلا ندمت . وقال أيضا : ما اء من منتق خير قط . وقال ابن معين : سيندم المنتخب فى الحديث حين لا تنفعه الندامة . (وَ) لكن (إِنْ يَكُـنْ لِلاِنْتِخَـابِ دَاعِ) ككون الشيخ مكثرا ، وفى الرواية عسرا أو كون الطالب غريبا لايمكنه طول الاقامة (فَلْيَنْتَخِبْ) بنفسه إن كان أهلا مميزا عارفا بما يصلح للانتخاب والاختبار (عَالِيَـهُ) وماتكرر من رواياته (وَمَا انْفَـرَدْ) بحيث لا يجده عند غيره (وَقَاصِرٌ) عن أهلية الانتخاب (أَعَانَـهُ) فيه (مَـنِ اسْتَعَـدّ) وتأهل لذلك من الحفاظ . قال ابن الصلاح : فقد كان جماعة منهم متصدين للانتفاء على الشيوخ والطلبة تسمع وتكتب بانتخابـهم : منهم إبراهيم بن أورمة الأصبهانى و أبو عبد الله الحسين بن محمد العجلى والدارقطنى و أبو بكر الجعانى فى آخرين (وَ) جرت العادة أنـهم (عَلَّمُوا) أى رسموا علامة (فِي الأَصْـلِ) أى أصل الشيخ على ماينتخبه ، فكان النعيمى أبو الحسن يعلم بصاد ممدودة ، وأبو محمد الخلال بطاء ممدودة وأبو الفضل الفلكى بصورة همزتين . وكلهم يعلم بحبر فى الحاشية اليمنى من الورقة ، وعلم الدارقطنى فى الحاشية اليسرى بخط عريض بالحمرة وأبو القاسم اللألكائى يعلم بخط صغير بالحمرة على أول إسناد الحديث ، ولا حجر فى ذلك ، ولكل الخيار ، وذلك (لِـ)أجل (الْمُقَابَلَهْ) بين المنتخب وذلك الأصل (أَوْ لِـ)احتمال (ذَهَـابِ فَرْعِـهِ) المنتخب منه (فَعَادَ لَهْ) أى يرجع إلى ذلك الأصل الذى وضع فيه العلامة (وَسَامِـعُ الْحَدِيـثِ) وكاتبه (بِاقْتِصَـارِ) عليهما (عَنْ فَهْمِـهِ) أى الحديث وعن معرفته (كَمَثَـلِ الْحِمَـارِ) الذى هو أبدل الحيوان ، فهو مثل فى .
595-
فَلْيَتَعَرَّفْ ضَعْفَـهُ وَصِحَّتَـهْ

وَفِقْهَـهُ وَنَحْـوَهُ وَلُغَتَــهْ
596-
وَمَا بِهِ مِنْ مُشْكِـلٍ وَأَسْمَـا

رِجَالِـهِ وَمَا حَـوَاهُ عِلْمَـا
الغباوة وبئس ما مثل به ، فلا ينبغى لسامع الحديث أن يقتصر عليه لإتـعابه نفسه من غير أن يظفر بطائل ولا حصول فى عداد أهل الحديث . قال بعض الأدباء :
ان الذى يروى ولكنه # يجهل ما يروى وما يكتب
كصخرة تنبع أمواهها # تسقى الأراضى وهى لاتشرب
وقال أبـو عاصم النبـيل : الرياسة فى الحديث بلا دراية ريـاسة بذلـة . قال الخـطيب : هى اجـتماع الطلبة على الراوى للسماع عند علو سنه (فَلْيَتَعَرَّفْ) أى سامع الحديث وكاتبه (ضَعْفَـهُ وَصِحَّتَـهْ) و حسنه (وَفِقْهَـهُ) ومعانيه (وَنَحْـوَهُ) المراد به ما يعرف به أواخر الكلم إعرابا وبناء ، وما يعرف به ذواتـها صـحة واعتلالا ، فيشمل الصرف (وَلُغَتَــهْ) هى عند حملة الشريعة عبارة عما حفظ من كلام العرب الخلص ، ونقل عنهم من الألفاظ الدالة على المعانى (وَ) لْيَتَعَرَّفْ (مَا بِهِ مِنْ مُشْكِـلٍ) يتعلق بكل ما ذكر من الضعف وما بعده (وَ) من (أَسْمَـا)ء (رِجَالِـهِ) أى رواتـه ، وكناهم وألقـابـهم وأنسابـهم (وَ) لْيَتَعَرَّفْ جميـع (مَا حَـوَاهُ) الحديث (عِلْمَـا) كمجمـله ومبيـنه و ناسـخه ومنسوخه وغـيرذلك مما يطول ذكـره . قال الحـافظ أبو الشامـة (1) : علوم الحديث الآن ثلاثة : أشرفها حفظ متونه ومعرفته غريبها وفقهها ، والثانى حفظ أسانيده ، ومعرفة رجالـها ، وتمييز صحيحها من سقيمها ، وهذا كان مهما وقد كفيه المشتغل بالعلم بما صنـف فيه من الكتب ، فلا فائدة إلى تحصيل ما هو حاصل . والثالث : جمعه وكتابته ، وسماعه وتطريقـه ، وطلب العلو فيه ، والرحلة إلى البلدان ، والمشتغل بـهذا مشتغل عما هو الأهم من العلوم النافـعة فضلا عن العمل به الذى هو المطلوب الأصلى إلا أنه لا بأس به لما فيه من بقاء سلسلة الاسناد المتصلة بأشرف البشر صلى الله تـعالى عليه وسلم هكذا كلامه ، وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن فى بعضه نظرا ، فقوله : وهذا قد كفيه المشتـغل بالعلم بما صنـف فيه يقال عليه ان كان التصنيف فى الفن يوجب الاتكال على ذلك وعدم الاشتغال به ، فالقول كذلك فى الفن الأول فإن فقه الحديث وغريبه لا يحصى كم صنف فيه حتى لو ادعى مدع أن التصانيف فيه أكثر منها فى تمييز الرجال والصحيح من السقيم لما أبعد : بل هو الواقع ، فإن كان الاشتغال بالأول مهما فبالثانى أهم ، إذ هو المرقاة إلى الأول ، فمن أخل به خلط السقيم بالصحيح ، والمعدل بالمجرح وهو لا يشعر، فالحق أن كلا منهما فى علم الحديث مهم ، ولا شك أن من جمعهما حاز القدح المعلى مع قـصور فيه ان أخل بالثالث ، ومن أخل بـهما (2) فلا حظ له فى اسم المحدث ، ومن أحرز الأول وأخل بالثانى كان بعيدا من اسم المحدث عرفا ،
(1) أى عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقى من تلامذة ابن الصلاح ، وابن عبد السلام ، وأبو الشامة لقب له لشامة فى حاجبه الأيسر
(2) قوله ((ومن أخل بـهما الخ)) قال ابن السبكى فى معيد النعم: من الناس فرقة ادعت الحديث،فكان قصارى أمرها النظر فى مشارق الأنوار للصغانى فإن ترفـعت ارتفـعت إلى مصابيح النبوى ، وظنّت أنـها تصل بـهذا القدر إلى درجة المحدثين، وما ذاك إلا لجهلها بالحديث بل لو حفظ من ذكرنا هذين الكتابين عن ظهر قلب ، وضم إليهما من المتون مثليهما لم يكن محدثا حتى يلج الجمل فى سم الخياط ، فإن رامت بلوغ الغاية فى الحديث على زعمها اشتغلت بـجامع الأصول لإبن الأثير ، وإن ضمت إليه كتاب علوم الحديث لابن الصلاح أو مختصره التقريب للنووى ونحو ذلك حينئذ ينادى من انتهى إلى هذا المقام محدث المحدثين ، وبخارى العصر
597-
وَاْقْرَأْ كِتَابًا تَدْرِمِنْهُ الاِصْطِلاحْ

كَهَذِهِ وَأَصْلِهَا وَابْنِ الصَّـلاحْ
598-
وَقَـدِّمِ الصِّحَـاحِ ثُمَّ السُّنَنَـا

ثُمَّ الْمَسَانِيـدَ وَمَا لا يُغْتَنَـى
ومن يحرز الثانى و أخل بالأول لم يبعد عنه اسم المحدث ، ولكن فيه نقص بالنسبة إلى الأول ، وبقى الكلام فى الفن الثالث . ولا شك أن جمع ذلك مع الأولين كان أوفر قسما ، ومن اقتصر عليه كان أخس حظا وأبعد حفظا ، ومن جمع الثلاثة كان فقيها محدثا كاملا ، ومن انفرد باثنين منها كان دونه إلا أن من اقتصر على الثانى والثالث ، فهو محدث صرف لا حظ له فى اسم الفقيه ، كما أن من انفرد بالأول فلا حظ له فى اسم المحدث ، ومن انفرد بالأول والثانى ، فهل يسمى محدثا ؟ فيه بحث انتهى ، وهو فى مكان من التحرير فياله من عالم تحرير ! (وَاْقْرَأْ) أيهاالطالب للحديث (كِتَابًا تَدْرِمِنْهُ الاِصْطِلاحْ) هو لغة : مطلق الاتفاق وعرفا اتفاق (1) طائفة على أمر مخصوص بينهم متى أطلق ينصرف إليه ، ثم صار علما بالغلبة عند العلماء على الفن الذى نحن بصدده ، وهو اصطلاح الحديث (كَـ)شرح النخبة ، وهو مفيد جدا للطلبة الصغار ، بل وللمشايخ الكبار ، و كـ(هَذِهِ) المنظومة الذى قال المصنف آخرها :
نَظْمٌ بَدِيعُ الْوَصْفِ سَهْلٌ حُلْوُ # لَيْـسَ بِـهِ تَعَقُّـدٌ أَوْ حَشْـوُ
فَاعْنَ بِهَا بِالْحِفْـظِ وَالتَّفْهِيـمِ # وَخُصَّهَا بِالْفَضْـلِ وَالتَّقْدِيـمِ
(وَ) كـ(أَصْلِهَا) الظاهر أن مراده به ألفية الحافظ العراقى ، لقوله السابق فى الخطبة :
وهـذهِ أَلْفيَّـةٌ تَحكِى الـدُّرَرْ # منظومةٌ ضَمَّنْتُها عِلْمَ الأَثَـرْ
فائِقـةً أَلْفـيَّـةَ الـعِرَاقِـي # فِي الجَمْعِ والإِيجازِ وَاْتِّسَـاقِ
وإلا فلم ينظم من كتاب مخصوص ((كعقود الكمان)) نظم تلخيص المفتاح ((والكوكب الساطع)) نظم جمع الجوامع (وَ) كمختصر الامام الحافظ أبى عمرو (بْنِ الصَّـلاحْ) الشهرزورى ذاك التاب النافع، الشهير عند الأخيار ، بل أشهر من الشمس فى رابعة النهار :
وليس يصح فالأذهان شىء # إذا احتاج النهار إلى دليل
كتاب اجتمع فيه ماتفرق فى غيره . قال مصنفه رضى الله تعالى عنه فى هذا المحل : إنه مدخل إلى هذا الشأن ، مفصح عن أصوله وفروعه ، شارح لمصطلحات أهله ومقاصدهم ومهماتهم التى ينقص المحدث بالجهل بـها نقصا فاحشا ، فهو إن شاء الله جدير بأن تقدم العناية به ، ونسأل الله من فضله العظيم ، والله أعلم (وَقَـدِّمِ) أيهاالطالب فى السماع والضبط والتفهم والمعرفة (الصِّحَـاحِ) يعنى الصحيحين للبخارى و مسلم (ثُمَّ) بعدهما (السُّنَنَـا) لأبى داود والترمذى والنسائى وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان وغيرها ، ولاسيما السنن الكبير والمعرفة للبيهقى فليحرص الطالب عليهما . قال السبكى : وما ناسب هذه الألفاظ الكاذبة فإن من ذكرنا لا يعد محدثا بهذا القدر الخ ، كتبه الشارح عفا الله عنه آمين . (1) قوله : اتفاق الخ ، ولـهذا اشتهر أن لا مشاحة فيه نعم ذكر البدر الزركشى أن المصطلح على الشىء يحتاج إلى أمرين . أحدهما : أن لا يخالف الوضع العام لغة وعرفا ، والثانى : أنه إذا فرق بين متغايرين يبدى مناسبة لفظية كل واحد منهما بالنسبة إلى معناه ، وإلا لكان تخصيصا لأحد المعنيين بعينه بذلك اللفظ وليس أولى من العكس فليتنبه .
599-
وَاحْفَظْهُ مُتْقِنًا وَذَاكِـرْ وَ رَأَوْا

جَوَازَ كَتْمٍ(1)عَنْ خِلافِ الأَهْلِ أَوْ
600-
مَنْ يُنْكِرُ(2) الصَّوَابَ أَنْ يُذَكَّرُ

ثُمَّ إِذَا أُهِّلْتَ صَنِّـفْ تَمْهَـرُ (3)
أما السنن الكبير فما صنف فى علم الحديث مثله تـهذيبا و ترتيبا وجودة ، وأما المعرفة معرفة السنن والآثار فلا يستغنى عنه فقيه شافعى ، وسمعت الشيخ الامام رحمه الله تعالى يقول مراده معرفة الشافعى بالسنن والآثار (ثُمَّ) بعد ذلك (الْمَسَانِيـدَ) والجوامع ، فأهمّ المسانيد مسند الامام أحمد ويليه سائر المسانيد غيره ، وأهم الجوامع : الموطأ ، ثم سائر الكتب المصنفة فى الأحكام : ككتاب ابن جريج وابن أبى شيبة (وَ) كل (مَا لا يُغْتَنَـى) عنه من كتب العلل : ككتاب أحمد والدارقطنى فيها ومن كتب الأسماء ، كتاريخ البخارى وكتاب الجرح والتعديل لابن أبى حاتم ، والميزان والمغنى للحافظ الذهبى ، وتعجيل المنفعة للحافظ ابن حجر وغير ذلك ، ككتب غريب الحديث و شروحه (وَاحْفَظْهُ) أى الحديث وما يتعلق به حال كونه (مُتْقِنًا) فيه بأن تكون كلما مر بك اسم مشكل أو كلمة غريبة تبحث عنها وتودعها قلبك ، فقد تقدم عن ابن مهدى أن الحفظ هو الاتقان ، فإنه يجتمع لك بذلك علم كثير فى يسر إن شاء الله تعالى ، وليكن تحفظك للحديث على التدريج شيئا فشيئا مع الملازمة ليلا و نـهارا ، فذلك أحرى أن تمتع بمحفوظاتك . قال الزهرى : من طلب العلم جملة فاته جملة ، وإنما يدرك العلم حديثا و حديثين ، وفى الصحيح ((خذوا من الأعمال ما تطيقون)) (وَذَاكِـرْ) أيها الطالب بمحفوظاتك ، وباحث بعلومك أهل المعرفة . قال علىّ بن أبى طالب : تذاكروا هذا الحديث إلا تفعلوا يدرس . وعن ابن مسعود : حياة العلم مذاكرته . وقال أبو سعيد مذاكرة الحديث أفضل من قراءة القرآن . وقال ابن عباس : مذاكرة العلم ساعة خير من إحياء ليلة . وقال الزهرى : آفاة العلم النسيان وقلة المذاكرة (وَ رَأَوْا) أى العلماء (جَوَازَ كَتْمٍ(1)) للعلم : الحديث وغيره (عَنْ خِلافِ الأَهْلِ) أى غير أهل العلم ، لأن ذلك ليس من الكتمان المنهى عنه ، بل ورد فى حديث ابن ماجه ((واضع العلم عند غير أهله كمقلد الحنازير الجوهر والدر والذهب)) . وسئل بعض العلماء عن شىء من العلم فلم يجب ، فقال السائل : أما سمعت حديث ((من علم علما فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) . وهو حديث مشهور صحيح ، فقال : اترك اللجام واذهب ، فإن جاء من يفقه وكتمه فليلجمنى به ، وقال بعضهم : تصفح طلاب علمك كما تتصفح طلاب حرمك (أَوْ مَنْ يُنْكِرُ(2) الصَّوَابَ أَنْ يُذَكَّرُ) بأن لا يقبله إذا أرشد إليه ونحو ذلك ، وعلى ذلك يحمل ما نقل عن الأئمة من الكتم . قال فى الإحياء : ليس ظلم فى إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم من منع المستخق ، ولله در القائل :
فمن منح الجهال علما أضاعه # ومن منع المستوجبين فقد ظلم
وقال الخليل بن أحمد لأبى عبيدة : لا تردن على معجب فيستفيد منك علما ويتخذك عدوا (ثُمَّ إِذَا أُهِّلْتَ) أى جعلت أهلا للحديث كغيره من العلوم فـ(صَنِّـفْ) أيها المتأهل التام المعرفة فى ذلك (تَمْهَـرُ) أى صرت ماهرا فيه ، فقد قال الخطيب : لا يتمهر فى الحديث إلا من جمع متفرقه وألف
601-
وَيَبْقَ (1) ذِكْرًا مَا لَـهُ مِنْ غَايَـهْ

وَإِنَّهُ فَـرْضٌ عَلَى الْكِفَايَـهْ
602-
فَبَعْضُهُـمْ يَجْمَـعُ بِالأَبْـوَابِ

وَقَـوْمٌ الْمُسْنَـدَ لِلصِّحَـابِ
603-
يَبْدَأُ بِالأَسْبَـقِ أَوْ بِالأَقْـرَبِ

إِلَى النَّبِىْ أَوِ الْحُرُوفَ يَجْتَبِي
مشتتمة ، وهو يثبت الحفظ ، ويذكى القلب ، ويشحذ الطبع . وقال النووى : بالتصنيف يطلع على حقائق العلوم و دقائقها ويثبت لأنه يضطر إلى كثرة التفتيش ، والمطالعة والتحقيق ، والمراجعة والاطلاع على مختلف كلام الأئمة ، ومتفقه وواضحه ومشكله وما لا اعتراض فيه من غيره ، وبه يتصف المحقق بصفة المجتهد . لم أر الشافعى رضى الله تعالى عنه آكلا بنهار ، ولا نائما بليل لاهتمامه بالتصنيف . (وَيُبْقَ) من الابقاء ، فاعله ضمير المصنف بفتح النون (ذِكْرًا) حسنا لك (مَا) نافعة : أى ليس (لَـهُ مِنْ غَايَـهْ) فهو ولدك المخلد ، ومكسبك الثواب المؤبد :
يموت قوم فيحيى العلم ذكرهم # والجهل يلحق أمواتا بأموات
ومن الناس من ينكر التصنيف فى هذا الزمان على من ظهرت أهليته ، وعلمت معرفته ، ولا وجه لهذا الإنكار إلا التنافس بين أهل الأعصار ، وقد قال بعض الفضلاء : إن حديث : أو علم ينـتفع به يشمل التعليم والتعلم ، والتصنيف والكتابة ومقابلة الكتب لتصحيحها ، بل ذكر ابن السبكى أن التصنيف فى ذلك أقوى لطول بقائه على ممر الزمان ، ولكثرة نصبه ، والأجر على قدره . نعم من لم يتأهل له ، فالإنكار عليه متجه بما تضمنه من الجهل ، وتغرير من بقف على تصنيفه . ولكونه يضيع زمانه فيما لم يتقنه ، ويضع الاتقان الذى هو أحرى به تأمل (وَ) اعلم (إِنَّهُ) أى التصنيف فى الحديث وغيره من سائر العلوم الشرعية وما يتعلق بـها (فَـرْضٌ عَلَى الْكِفَايَـهْ) لأن ذلك من جملة القيام بعلوم الشرع ، وقد صرح العلماء أنه من فروض الكفاية ، وصرح بعضهم بأن منها علم أسماء الرواة والجرح والتعديل وغيرها . وذكر جماعة أنه إنما يتوجه فرض الكفاية العلم على كل مكلف حر ذكر غير بليد مكفى : أى قادر على الانقطاع بأن يكون له كفاية، وللعلماء بالحديث فى تصنيفه طرق كثيرة (فَبَعْضُهُـمْ يَجْمَـعُ) ويؤلف (بِالأَبْـوَابِ) وهو أن يخرجه على أحكام الفقه وغيره ، وينوعه أنواعا ، ويجمع ما ورد فى كل حكم وكل نوع فى باب فباب : كالكتب الستة و نحوها ، وشعب الايـمان ، والبعث والنشور للبيهقى . قال المصنف : والأولى أن يقتصر على ما صح أو حسن ، فان جمع الجميع فليبين علة الضعف (وَقَـوْمٌ) منهم يجمع على (الْمُسْنَـدَ) أى المسانيد (لِلصِّحَـابِ) رضى الله تعالى عنهم كل مسند على حدة ، فيجمع فى ترجمة كل صحابى ما عنده من حديثه الصحيح وغيره . وعليه فـ(يَبْدَأُ) جوازا (بِالأَسْبَـقِ) فى الاسلام ، فيبدأ بالعشرة ، ثم أهل بدر ، ثم الحديبـيّة ، ثم المهاجرين بينها و بين الفتح ، ثم من أسلم يوم الفتح ، ثم أصاغر الصحابة سنا : كالسائب بن يزيد ، وأبى الطفيل ، وابن الزبير ، ثم النساء بادئا بأمهات المؤمنين قال ابن الصلاح : هذا أحسن (أَوْ) يبدأ (بِالأَقْـرَبِ) منهم (إِلَى النَّبِىْ) صلى الله تعالى عليه وسلم نسبا فيقدم بنى هاشم فبنى المطلب ، وهكذا على ترتيب القبائل (أَوِ الْحُرُوفَ يَجْتَبِي) أى يختار ترتيب أسماء الصحابة على حروف المعجم كما فعل الطبرانى وهو أسهل فى التناول ، ومن أول من صنف (1) كذا فى النسخة بفتح الياء و القاف وهو خطأ على الطبعة و صوابه وَيُبْقِ . قال الشيخ أحمد شاكر: فى الأصل المقروء على المصنف ((وَيُبْقِ ذَاكِرًا)) وهو خطأ . هـ
604-
وَخَيْـرُهُ مُعَلَّـلٌ ، وَقَـدْ رَأَوْا

أَنْ يَجْمَعَ الأَطْرَافَ أَوْ شُيُوخًا اْوْ
605-
أَبْوَابًا اْوْ تَرَاجِـمًا أَوْ طُرُقَـا

وَاحْذَرْ مِنَ الإِخْرَاجِ قَبْلَ الاِنْتِقَا
المسانيد : نعيم بن حماد وأسد بن موسى ويحيى الحانى ومسدد بن مسرهد . قال الحاكم أبو عبد الله أول من صنف المسند على تراجم الرجال فى الاسلام عبيد الله بن موسى العنسى وأبو داود الطيالسى وتعقب بأن الحامل على هذا القول تقدم عصر الطيالسى على أعصار من صنف المسانيد فظن أنه هو الذى صنفه وليس كذلك ، وإنما هو من جمع بعض الحفاظ الخراسانيين ، جمع فيه رواية يونس بن حبيب خاصة ، وشذ عنه كثير منه . قال المصنف : ويشبه هذا مسند الشافعى (1) فانه ليس تصنيفه ، وإنما لقطه بعض الحفاظ النيسابوريـين من مسموع الأصم من الأم ، وسمعه عليه ، فانه سمع الأم وغالبها على الربيع عن الشافعى و عمر ، وكان آخر من روى عنه وحصل له صمم ، فكان فالسماع عليه مشقة ، والله أعلم . (وَخَيْـرُهُ) يعنى من أحسن مراتب تصنيف الحدبث (مُعَلَّـلٌ) أى تصنيفه معللا بأن يجمع فى كل حديث أو باب طرقه ، واختلاف الرواة فيه . قال المصنف : لأن معرفة العلل أجلّ أنواع الحديث ، ثم الأولى جعله على الأبواب ليسهل تناوله ، وقد صنف يعقوب بن شيبة مسنده معللا ، ولم يتم ، قيل : ولم يتم مسند معلل قط وقد صنف بعضهم مسند أبى هريرة فى مائتى جزء (وَقَـدْ رَأَوْا) أى المحدثون من طرق التصنيف أيضا (َأنْ يَجْمَعَ الأَطْرَافَ) فيذكر طرف الحديث الدال على بقيته ، ويجمع أسانيده إما مستوعبا أو مقيدا بكتب مخصوصة كأطراف الكتب الستة لابن طاهر . قال المصنف : يجوز فى كتابة الأطراف الإكتفاء ببعض الحديث مطلقا وإن لم يفد (أَوْ) أن يجمع (شُيُوخًا) أى أحاديثهم كل شيخ منهم على انفراده . قال عثمان بن سعيد الدارمى : يقال من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس فى الحديث : سفيان وشعبة ومالك وحماد بن زيد وابن عيـيتة وهم أصول الدين ، وبعضهم يجمع حديث شيوخ كثيرة غير هؤلاء : كأيوب والزهرى والأوزاعى (اْوْ) يجمع (أَبْوَابًا) من أبواب الكتب المؤلفة : بأن يفرد كل باب على حدة بالتصنيف : كرؤية الله تعالى والنية ، ورفع اليدين فى الصلاة ، والقراءة خلف الامام ، والبسملة وغير ذلك (اْوْ) يجمع (تَرَاجِـمًا) أى .. . (1) قوله : مسند الشافعى الخ ، ذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن على بن حمزة الحسينى الدمشقى فى التذكرة أن عمدة الشافعى فى الاستدلال لمذهبه فى الغالب على ما رواه فى هذا المسند بأسانيده ، وأن مذهبه الذى يدين الله به أتباعه ويقلدونه ، فهو موضوع لأدلته على ما صح عنده من مروياته انتهى ، وتعقبه الحافظ ابن حجر بأن الأمر فيه ليس كما ذكره بل الأحاديث المذكورة فيه : منها ما يستدل به لمذهبه ومنها ما يورد مستدلا لغيره ويوهيه قال : وبقى من حديث الشافعى شىء كثير لم يقع فى هذا المسند ، ويكفى فى الدلالة على ذلك قول امام الأئمة أبى بكر بن خزيمة إنه لا يعرف عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم سنة لم يودعها الشافعى كتابه ، وكم كم سنة وردت عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لا توجد فى هذا المسند ، ولم يرتب الذى جمع الشافعى أحاديثه المذكورة لا على المسانيد ، ولا على الأبواب ، وهو قصور شديد فإنه اكتفى بالتقاطها من كتب الأم وغيرها على ما اتفق ولذلك وقع فيها تكرار فى كثير من المواضع ، ومن أراد الوقوف على حديث الشافعى مستوعبا ، فعليه بكتاب معرفة السنن والآثار للبيهقى ، فإنه تبع ذلك ، ثم تتبع فلم يترك له فى تصانيفه القديمة والجديدة حديثا إلا ذكره وأورده مرتبا على الأحكام ، فلو كان الحسينى اعتبر ما فيه لكان أولى انتهى ، كتبه الشارح عفا الله عنه آمين .
606-
وَهَلْ يُثَـابُ قَـارِئُ الآثَـارِ

كَقَارِئِ الْقُرْآنِ : خُلْفٌ جَارِ
000-
وَ لِلْبُـخَارِـىِّ رُبَـاعِيَـاتُ

فِى طَالِبِ الْحَـدِيْثِ نَيِّـرَاتُ
أسانيد معينة : كترجمعة مالك عن نافع عن ابن عمر ، وترجمة هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وغيرهما مما تقدم أول الكتاب (أَوْ) يجمع (طُرُقَـا) لحديث واحد : كطرق حديث ((من كذب علىّ)) وطرق حديث ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)) وطرق حديث الحوض و الشفاعة وغيرهما . قال ابن الصلاح : وعليه : أى المصنف فى كل ذلك تصحيح القصد ، والحذر من قصد المكاثرة ونحوه ، بلغنا عن حمزة الكتانى أنه خرّج حديثا واحدا من نحو مائتى طريق فأعجبه ذلك فرأى يحيى بن معين فى منامه ، فذكر له ذلك فقال له : أخشى أن يدخل هذا تحت ((ألـهاكم التكاثر)) (وَ) ينبغى للمصنـف أن يتحرى فى تأليفه العبارات الواضحة والموجزة والاصطلات المستعملة ، ولكن لا يبالغ فى الايضاح بحيث ينتهى إلى الركاكة ، ولا فى الإيجاز بحيث يفضى إلى الاستغلاق وأن يعتنى بما لم يسبق إليه أكثر من غيره بأن لا يكون هناك تصنيف يغنى عن مصنفه من جميع أساليبه ، فإن أغنى عن بعضها فليصنف من جنسه ما يزيد زيادات يحتفل بـها مع ضم النكات والفوائد وغيرها ، و (احْذَرْ) أيها المصنف (مِنَ الإِخْرَاجِ) أي إخراج تصنيفك من يدك إلى الناس (قَبْلَ الاِنْتِقَا)ء : أى التهذيب والتحرير وتكرير النظر فيه ، ولا يضرك فيه كثرة الإلحاقات ، فقد قال الشافعى رضى الله تعالى عنه : إذا رأيت الكتاب فيه إلـحاق وإصلاح فاشهد له بالصحة . وقال بعض الفضلاء : لا يضىء الكتاب حتى يظلم . وأما ذم الناس لك فيه فلا تعبأ به ، إذ لا ينفعك عنه أحد . قال الخطيب : من صنف فقد جعل عقله على طبق يعرضه على الناس فعوّل على هذا الكلام ، ولا حاجة بك فى كتابك على كثرة الإعتذارات ، فإنما الأعمال بالنيات # (وَهَلْ يُثَـابُ) ويؤجر (قَـارِئُ) متون (الآثَـارِ) أى الأحاديث وسامعها من غير قصد الحفظ ونحوه (كَقَارِئِ الْقُرْآنِ) العزيز من حيث أصل الثواب فيه (خُلْفٌ) أى خلاف (جَارٍ) بين العلماء . فقال الشيخ أبو إسحاق : إن قراءة متونـها لا يتعلق بـها ثواب خاص لجواز قراءتـها وروايتـها بالمعنى ، واستظهره ابن العماد الأقفهسى قال إذ لو تعلق بنفس ألفاظها ثواب خاص لما جاز تغييرها وروايتها بالمعنى ، لأن ما تعلق به حكم شرعى لا يجوز تغييره بخلاف القرآن فإنه معجز ، وإذا كانت قراءته المجردة لا ثواب فيها لم يكن فى استماعه الـمجرد ثواب بالأولى . و قال بعضهم : بالثواب على ذلك واستوجهه المحقق ابن حجر الهيتمى قال : لأن سماعها لا يخلو من فائدة لو لم يكن إلا عود بركته على القارىء والمستمع ، فلا ينافى ذلك قولـهم : إن سماع الأذكار مباح لا سنة . أما إن قصد بسماعه الحفظ وتعلم الأحكام والصلاة على النبى صلى الله تـعالى عليه وسلم واتصال السند ، ففيه ثواب اتفاقا ، هذا . وذكر جماعة عن الإمام الحافظ الحجة أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخارى صاحب الجامع الصحيح أثرا لطيفا جامعا لآداب طالب الحديث أحببت إيراده هنا بعد إشارتى إليه بقولى :
(وَ لِلْبُـخَارِـىِّ رُبَـاعِيَـاتُ # فِى طَالِبِ الْحَـدِيْثِ نَيِّـرَاتُ)
وقد أحلقته فى الهامش مميزا بالمداد الأحمر ، وذلك ما رويناه عن أشياخنا بأسانيدهم إلى أبى المظفر محمد بن أحمد بن الفضل البخارى قال : لما عزل أبو العباس الوليد بن إبراهيم الهمدانى عن قضاء .... .. ..
........................................... ..........................................
الرىّ ورد بحارىفنزل فى جوارنا فحملنى معلمى أبو إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الختلى إليه ، فقال له أسألك أن تحدث هذا الصبى مما سمعته من مشايخك ، فقال : مالى سماع . قال : فكيف وأنت فقيه فما هذا ؟ قال : لأنى لما بلغت مبلغ الرجال تاقت نفسى إلى معرفة الحديث و سماعه ، فقصدت الإمام محمد بن إسماعيل البخارى صاحب الصحيح ، والمنظور إليه فى علم الحديث ، وأعلمته مرادى ، وسألته الإقبال عليه ، فقال : يا بنىّ لا تدخل فى أمر إلا بعد معرفة حدوده ، والوقوف على مقاديره ، فقلت : عرفنى رحمك الله تعالى حدود ما قصدتك ومقاديره . فقال لى : اعلم أن الرجل لا يصير محدثا كاملا فى الحديث إلا بعد أن يكتب أربعا مع أربع ، كأربع مثل أربع فى أربع عند أربع بأربع على أربع عن أربع لأربع ، وكل هذه الرباعيات لا تتم إلا بأربع مع أربع ، فإذا تمت له كلها هان له أربع وابتلى بأربع ، فإذا صبر على ذلك أكرمه الله تعالى فى الدنيا بأربع ، وأثابه فى الآخرة بأربع ، فقلت له : فسر لى رحمك الله تعالى ما ذكرت من أحوال هذه الرباعيات من قلب صاف منشرح كاف ، طلبا لأجر واف ، فقال : نعم الأربع التى يحتاج إلى كتبها : أخبار الرسول صلى الله تـعالى عليه وسلم وشرائعه ، والصحابة ومقاديرهم ، والتابعين وأحوالهم ، و سائر العلماء وتواريخهم ، مع أسماء رجالـهم وكناهم ، وأمكنـتهم وأزمنـتهم : كالتحميد مع الخطب والدعاء مع الرسائل ، والبسملة مع السور ، والتكبير مع الصلوات مثل المسندات و المرسلات ، والموقوفات والمقطوعات ، فى صغره و فى إدراكه ، وفى شبابه وفى كهولته ، عند فراغه و شغله ، وفقره وغناه ، بالجبال والبحار ، والبلدان والبرارى ، على الأحجار والأصداف ، والجلود والأكتات ، إلى الوقت الذى يمكنه نقله إلى الأوراق ، عمن هو فوقه ، وعمن هو مثله ، وعمن هو دونه ، وعمن كتاب أبيه ، يتيقن أنه بخط أبيه ، دون غيره لوجه الله تعالى ، طلبا لمرضاته ، والعمل بما وافق كتاب الله تعالى منها ، ونشرها بين طالبيها ، والتأليف فى إحياء ذكره بعده ، ثم لا تتم له هذه الأشياء إلا بأربع من كسب العبد : معرفة الكتابة واللغة والصرف و النحو . مع أربعة ، هن من محض عطاء الله تعالى : الصحة ، والقدرة ، والحرص ، والحفظ ، فإذا تمت له هذه الأشياء هان عليه أربع : الأهل والولد ، والمال ، والوطن ، وابتلى بأربع : شماتة الأعداء و ملامة الأصدقاء ، وطعن الجهلاء ، وحسد العلماء ، فإذا صبر على هذه المحن أكرمه الله تعالى بأربع : بعز القناعة ، وتـهنئة النفس ، ولذة العلم ، وبحياة الأبد ، وأثابه فى الآخرة بأربع : بالشفاعة لمن أراد من أخوانه ، وبظل العرش حيث لا ظل إلا ظله ، ويسقى من أراد من حوض نبيه صلى الله تـعالى عليه وسلم ، وبجوار النبيّـين فى أعلى عليّـين فى الجنة ، فقد أعلمتك يا بنيّ بمجملات ما كنت سمعته من مشايخى متفرقا فى هذا الباب ، فأقبل الآن إلى ما قصدت أو دع . قال فهالنى قوله ، فسكت متفكرا ، وأطرقت متأدبا ، فلما رأى ذلك منى قال لى : فإذا لم تطق حمل هذه المشاق كلها ، فعليك بالفقه الذي يمكنك تعلمه وأنت قارّ فى بيتك ، لا تحتاج إلى بعد الأسفار ، ووطء الديار ، وركوب البحار ، وهو مع ذلك ثمرة الحديث ، ولا عز الفقيه بأقل من عز المحدث . قال : فلما سمعت ذلك نقض عزمى فى طلب الحديث ، وأقبلت على دراسـة الفقـه وتعلمـه . إلى أن

-->
صرت فيه متقدما ، ووفقت منه على معرفة ما أمكننى من تعلمه بتوفيق الله تعالى ومنته ، فلذلك لم يكن عندى ما أمليه على هذا الصبىّ يا إبراهيم ، فقال له أبو أبراهيم : إن هذا الحديث الذى لا يوجد عند غيرك خير للصبى من ألف حديث نجده عند غيرك انتهى . قال المقق ابن حجر : واستفيد من ذلك مزيد فضل الفقه ، وأنه ثمرة الحديث وإن كان طلب الحديث أشدّ ، وتحصيله أشق ، قال الشافعى : أتريد أن تجمع بين الفقه والحديث هيهات . وقال أيضا : من حفظ الفقه عظمت قيمتـه ، ومن تعلم الحديث قويت حجتـه ، ومن لم يصن نفسه لم ينفعـه علمه ، والله أعلم .





(1) قال المعتني كذا في نسخة الشيخ أحمد شاكر ، وفي نسخة الشيخ محمد علي بن آدم ( الكتمِ ) بأل التعريف .
(2) قال الشيخ محمد علي بن آدم في شرحه : وفي نسخة ( يَدَعُ ) كالنسخة التى علقها الشيخ أحمد شاكر
(3) قلت –برهان راشد- و فى نسخة إِنْ يُذَكَّرِ ثُمَّ إِذَا أَهَّلَتْ صَنِّـفْ تَمْهَـرِ بكسر الهمزة مع كسر الراء وهو الصواب إلا فى أَهَّلَتْ فهو خطأ